لا أحد يستطيع أن ينكر التقدم الذي حقق في مجال تحرير المرأة وتمكينها. بشكل عام، شهدت وضعية المرأة المغربية تقدمًا ملحوظًا. علاوة على ذلك ، فإن المغرب المغرب قد سجل خلال عشرين عامًا من حكم جلالة الملك محمد السادس، تقدمًا كبيرًا في الأطر المعيارية والمؤسسية والتشريعية المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
لقد شكّل إصلاح المدونة، الذي دخل حيز التنفيذ في شهر فبراير 2003، نقطة تحول محورية في التشريع المغربي الخاص بحقوق المرأة. وكرس الدستور الذي تم تبنيه في 1 يوليو 2011 الاعتراف بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل والالتزام باحترامه.
وينص القانون الأساسي للمغرب، من ديباجته، على: “تتعهد المملكة المغربية بإزالة ومكافحة كل تمييز ضد أي شخص على أساس الجنس”. هذا التكريس للمساواة بين الرجل والمرأة موثق بشكل لا لبس فيه في المادة 19 من الدستور الذي يضع تحرر المرأة في قمة هرم قواعد القانون الوطني. وبالتالي فهي تتوافق مع النظام المعياري الدولي لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، صادق المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق المرأة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، “سيداو”. كما أزال جميع التحفظات المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتلك المتعلقة بالرفع من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، وبغض النظرعن رتبتها الاجتماعية، تظل الجهود لا ترقى بعد لتوقعات المرأة. ومن بين المجالات التي تعاني فيها النساء أكثر من غيرهن، تبقى مسألة الصحة في المقدمة، لا سيما الصحة الإنجابية والجنسية، التي تمثل أكبر قدر من التمييز ضد المرأة والذي لازال سائدا في مجتمعنا، كما قال عالم الاجتماع المغربي عبد الصمد ديالمي في إحدى دراساته ” الجنس الزوجي، والتوجه الجنسي، وتقرير المصير لنشاطهم الجنسي قبل الزواج، مع مقاومة التعريف الأبوي للهوية الذكورية، وكذلك مع التفوق القانوني للرجل الذي يُنظر إليه على أنه إنسان مغاير الجنس ، يتحكم جنسيًا في هويته”. تأتي هذه الإشكالية على رأس العوامل التي تعيق وصول المرأة، سيما في المناطق القروية لرعاية الصحة الإنجابية ويتعلق هدا النقص في الهياكل المادية ومحدودية الموارد البشرية التي تضمن توفير رعاية جيدة. ويبقى العامل المركزي الذي يؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة المغربية هو نقص المعلومات وبرامج التوعية الموجهة لهن في هذا المجال، إلى جانب معدل الأمية لديهن الذي يصل إلى 41٪ مقابل 22٪ للرجال. فالجهات الفاعلة المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في العمل الإعلامي والتعليمي لا تلعب دورها بشكل صحيح. وهكذا، باستثناء بعض المعارف الأولية الموجودة في بعض الكتب المدرسية في علوم الحياة والأرض لم تضع المدارس المغربية أية برامج للتربية الجنسية والجودة الإنجابية تمكن الأطفال، بما في ذلك جنس الإناث، أن يصبحوا أكثر وعيًا بوظائف جهازهم التناسلي وعمله منذ صغرهم حتى سن البلوغ. ويؤثر ذلك على معرفة الشباب بالصحة الإنجابية، بما في ذلك وسائل منع الحمل. فقد أفضت دراسة قامت بها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة في الوسط الثانوي إلى أنَّ “15 في المئة من الشباب لا يعرفون أية وسيلة لمنع الحمل، والنسبة أعلى بين شباب المناطق القروية الغير المتمدرسين.” زيادة على ذلك، فإن عملية الإخبار والتواصل مع السكان، وخاصة النساء، تصطدم في المناطق القروية بصعوبة وصول المرأة إلى المستشفيات أو دور الأمومة بسبب المسافات، كما تصطدم مع المعتقدات الثقافية والعادات التي تحول دون وصول المرأة إلى مراكز الرعاية الصحة والإنجابية. كل هاته المعيقات لم تمكن المغرب من الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها بموجب مختلف الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ 16 ديسمبر 1948 (المادة 25)، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية). 16 ديسمبر 1966 (المادة 12)، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 (المادة 12) …) لصالح الحق في الوصول إلى الصحة، لا سيما في مسائل الصحة الإنجابية. الشيء الدي يحول دون وصول المغرب في ترتيبه الدولي من حيث مؤشر التنمية البشرية، الذي أنشأه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى المراكز الأولية. ويؤخذُ هذا الترتيب بالاعتبار مؤشرين رئيسيين هما متوسط العمر للإنجاب وأثار معدل وفيات الرضع والأمهات. وعليه، فإن البلد الذي يسجل معدلا مرتفعا من الناتج المحلي الإجمالي للفرد ويستثمر القليل في مجالي التعليم والصحة، يعاني من ضعف مؤشر التنمية البشرية. ويبقى المغرب ملتزما بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة والتي تشمل، من بين أمور أخرى، هدف تحسين صحة الأم من خلال خفض معدل وفيات الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع ، مع جعل الوصول إلى الطب الإنجابي شاملاً في كل أنحاء التراب الوطني.
ولكن تحقيق هاته الالتزامات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة تتعارض مع بعض الوقائع؛ كعامل عدم إمكانية وصول النساء بسهولة إلى أماكن رعاية الصحة الإنجابية، ونقص العاملين في مجال الرعاية الصحية، وضعف تدريبهن وتوزيعهن غير العادل على الجهات والمكابح الاجتماعية والاقتصادية (الفقر، مستوى المعيشة المتدني …)، الثقافية والتعليمية (الأمية، المستوى الثقافي المنخفض …) .
يبقى المغرب ملتزما بالأهداف العالمية الجديدة؛ وهي أهداف التنمية المستدامة، والتي بموجبها يتعهد المغرب بحلول عام 2030 بخفض معدل وفيات الأمهات إلى أقل من 70 لكل 100،000 ولادة حية، وخفض وفيات الأطفال حديثي الولادة إلى ما يزيد عن 12 لكل 1000 ولادة حية، وضمان حصول الجميع على خدمات رعاية الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك تنظيم الأسرة والمعلومات والتعليم.
تحرير المرأة
تفاوت مكاني في وصول المرأة إلى مرافق الرعاية الصحية
يرتكز نظام الرعاية الصحية في المغرب على ثلاث برامج وهي: قطاع عام (مراكز صحية حضرية وقروية، مستشفيات جهوية أو إقليمية عامة أو متخصصة ومستشفيات جامعية)، قطاع خاص ربحي (أمراض النساء / ومصحات التوليد)، وقطاع خاص غير ربحي (عيادات يديرها الصندوق الوطني لمنظمات الرعاية الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو دار الأمومة التي تم إنشاؤها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية).
تحرير المرأة
نقص الموارد البشرية وعدم عدالة توزيعها على أراضي المملكة
إن القضية الأساسية للدولة في سياساتها العامة المتعلقة بالصحة الإنجابية لم تكتفِ فقط ببناء عدد كاف من مؤسسات رعاية الصحة الإنجابية مع غرف الولادة ، لا تم تزويدها أيضا بالموارد البشرية المؤهلة وتوزيعها بشكل عادل وفقًا لاحتياجات كل جهة.
في حين، أن رعاية الطب الإنجابي مجانية (رعاية ما قبل الولادة، رعاية ما بعد الولادة، وما إلى ذلك) وأن الوصول العام للمرأة إلى الرعاية الصحية قد تحسن مع إنشاء “الرميد RAMED”، إلا أنه من المهم ملاحظة أن الفقر يتجلى بشكل أكبر في عدم قدرة النساء في المناطق البعيدة على المدار الحضري، ولا سيما القروية والجبلية، على السفر إلى أقرب مركز صحي أو مستشفى من أجل الحصول على رعاية أفضل أو ولادة في ظروف ملائمة، بسبب التكاليف الباهضة التي يمكن أن تترتب عنها القيام بمثل هذه الرحلة.
تحرير المرأة
العوامل التربوية والثقافية
إن تدني مستوى تعليم المرأة، وافتقارها إلى الوعي والمعلومات، وثقل الثقافة الذكورية في المجتمع، تشكل أيضًا عقبات كثيرة يجب تحديد معالمها.
تحرير المرأة
الإجهاض السري شر لا يزال ينخر المجتمع
الإجهاض السري يعتبر أيضا من أسباب زيادة معدل الوفيات، كما يتضح من دراسة تحليلية أجرتها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة حول هذا الموضوع والتي تشير إلى أن “حالات الإجهاض السري تخص 5 إلى 8 من أصل 1000. النساء، تتراوح أعمارهن عمومًا بين 15 و 44 عامًا، هي سبب وفاة 2.4٪ من الأمهات، و 5.5% يمُتْنَ بسبب المضاعفات التي تنتج عنها ”.
ولمعالجة هذا الوضع الذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم ضعف المرأة فيما يتعلق باعتلال الأم والطفل معاً، والصحة الجنسية ومراقبة الحمل، من المهم أن يحتشد جميع الفاعلين في المجتمع والمعنيين بمجال الصحة بشكل مشترك نحو الهدف الوحيد المتمثل في تحسين صحة الأم والطفل قصد تحقيق الأهداف المحددة لعام 2030 في إطار أهداف التنمية المستدامة.
لا يمكن أن يحدث هذا دون وجود تنسيق بين هذه الجهات الفاعلة وتداخل جهودهم في سياسة صحية عامة واحدة واضحة للغاية من حيث الأهداف، مع تعبئة موارد أكبر في الميزانية، وإشراك قطاعات أخرى مثل التعليم ووسائل الإعلام من حيث التوعية والإعلام والحكامة الرشيدة للسياسات العامة التي تؤثر على القطاع، وكذلك تنمية موارد الصحة البشرية وتوزيعها العادل على كافة أراضي المملكة، ووضع خارطة طريق واضحة المعالم تجمع بين الاعتناء بالصحة الجنسية والإنجابية على المستوى الوطني في السياسات الوطنية، بُغية الوصول إلى الهدف المنشود تحقيقه، من أجل التأكيد على التزامنا بمفاهيم الصحة الإنجابية والجنسية في مغربنا الحبيب.