الحجاب يعود الى واجهة الجدل في تركيا

- Advertisement -

الحجاب تركيا

تعد تركيا دولة علمانية بامتياز منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، الذي صبغها صبغها بالطابع العلماني منذ التأسيس، ويظهر هذا جليا من خلال الدستور التركي لعام 1924. ولكي يقوم بعلمنة الدولة التركية بشكل كامل اعتبر أتاتورك الحجاب تخلفا رجعيا، يشكل عقبة أمام حملته لعلمنة الدولة، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا تشهد تركيا نقاشات كثيفة بشأن الحجاب ومنعه، سيما وأن نسبة المسلمين في تركيا تناهز 97٪ من مجمل السكان، الأمر الذي أدى إلىصراع محتدم بين المؤيدين للمبادئ العلمانية للدولة في حظر الحجاب والمعارضين لهذه المبادئ.

مع المبادئ الدستورية العلمانية الرسمية قامت الحكومة التركية بمنع دخول النساء اللاتي يرتدين الحجاب إلى أماكن العمل في القطاع العام. وينطبق الحظر على المعلمين والمحامين والبرلمانيين وغيرهم. تم توسيع الحظر على أن يشمل منع ارتداء الحجاب في الخدمة المدنية والمؤسسات التربوية والسياسية الغير التابعة للدولة. وقامت الحكومة التركية بطرد المحاميات والصحفييات اللواتي رفضن الامتثال للحظر المفروض من قاعات المحاكم والجامعات. وفي أواخر السبعينات وبداية الثمانينات ارتفع عدد طالبات الجامعات اللاتييرتدين الحجاب بشكل كبير، وفي العام 1984 صدر أول قرار بحظر الحجاب في الجامعات والذي طبق على نطاق واسع ليشمل عددا من القطاعات.

وفي العام 2007، وتزامنا مع حملته الانتخابية، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع الحظر على ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، و في 7 فبراير 2008 أصدر أصدر البرلمان التركي تعديلا على الدستور سمح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية، بحجة أن العديد من النساء لن يتمكن من إكمال تعليمهنإذا لم يسمح لهن بارتداء الحجاب. وفي  5 يونيو 2008 ألغت المحكمة الدستورية التركية تعديل البرلمان الذي يهدف إلى رفع الحظر على ارتداء الحجاب. وفي 17 أكتوبر 2010 أمر المجلس الاعلى للتعليم في تركيا جامعة إسطنبول  وهي واحدة من أكبر الجامعات في البلاد بمنع المدرسين من طرد الطالبات اللائي لا تلتزمن بحظر الحجاب من الفصول الدراسية. وفي 8 أكتوبر 2013 ألغت تركيا حظر ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة ماعدا القضاء أو الجيش، منهية بذلك حظرا دام نحو 90 عاما. وفي 27 غشت 2016 قررت الحكومة التركية السماح للشرطيات بارتداء الحجاب الإسلامي تحت غطاء الرأس الرسمي، على أن يكون من نفس لون البدلة الرسمية والا يحتوي على أي نقوش. وفي 23 فبراير 2017 اتخذت الحكومة التركية قرارا بالسماح للنساء برتبة ضابط أو ضابط صف بارتداء الحجاب في الجيش التركي، شرط أن لا يغطي حجابهن الوجه وأن يكون فينفس لون البزة العسكرية.

وهكذا، دافع أردوغان خلال السنوات العشرين التي قضاها في السلطة بين رئيس ورئيس للوزراء، عن حقوق المسلمين المحافظين، بما في ذلك المحجبات، بعدما تولت حكومات علمانية حكم تركيا لعقود.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية لسنة 2023، عادت قضية الحجاب إلى الواجهة من جديد، حيث  كشف زعيم حزب الشعب الجمهوري “العلماني المعارض”، كمال كليتشدار أوغلو، عن عزمه تقديم مشروع قانون إلى البرلمان من “أجل ضمان حق الحجاب للنساء، وحمايته قانونيا، وقدم اعتذاراً عما وصفها بـ”أخطاء الماضي”.

وينصّ مشروع القانون الذي قدمه حزب الشعب على أنه “لا يجوز أن تتعرض النساء العاملات في المؤسسات والمنظمات العامة لأي إكراه ينتهك بطريقة ما حقوقهن وحرياتهن الأساسية، مثل الحق في ارتداء أو عدم ارتداء ملابس معينة أو مآزر أو زيّ رسمي، وما إلى ذلك”.

في المقابل، أثارت تلك الخطوة حفيظة الرئيس التركي أردرغان، الذي دعا إلى إدراج الحجاب كحق في دستور البلاد بدلاً من الاكتفاء باقتراح إصدار قانون يضمن عدم المساس بحرية الحجاب، مذكراً بأنّ “حكومات حزب العدالة والتنمية  أزالت حظر الحجاب الذي وصل إلى مستوى الظلم”، وأن “مشروع حزب الشعب بعيد كلّ البعد عن حلّ المشكلة بالطريقة المرغوبة”.

وقدّم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الجمعةالماضية، اقتراح تعديل دستوري حول استخدام “الحجاب” في المجالين العام والخاص، إلى البرلمان  التركي.

وقال أوزليم زينغين، نائب زعيم المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، إنّ “الاقتراح قُدم إلى البرلمان بتوقيع 336 نائباً”. وبدعم من حزب “الحركة القومية”، وحزب “الاتحاد العظيم”، تتعلق التعديلات بحرية الدين والضمير، وحماية الأسرة وحقوق الطفل.

وأضاف أنّ التعديل يسعى إلى “ضمان الحرية للنساء على حدٍّ سواء في تغطية الرأس أو الكشف عنه”، مضيفاً أنّ الاقتراح يذكر أنّ “المرأة ستقرر ملابسها بنفسها”.

وهناك حاجة إلى ما لا يقلّ عن 400 صوت من أصل 600 لتعديل الدستور، (الأصوات بين 360 و 400 ستطرح التعديلات للاستفتاء).

ويشار إلى أنّ حزب “العدالة والتنمية”، لا يملك الأصوات الكافية لإجراء التغييرات من دون استفتاء على الدستور، إذ يحتاجون إلى 26 صوتاً إضافياً على الأقل.

بدورها أكدت المؤرخة المدافعة عن حقوق المرأة، والمعارضة لحزب العدالة، بيرين سونميز، أن غالبية النساء التركيات أيدن هذه الإجراءات، وقالت ” على أولئك الذين يعتبرون الحجاب رمزا دينيا مناقضا للعلمانية أن يفهموا بأن (طريقة تفكيرهم) تنطوي على تمييز”.

وأضافت سونميز، علما بأنها محجبة، “سواء كان محظورا أو إجباريا، لا ينتهك الحجاب حقوق المرأة إلا إذا فرضت الدولة قواعد ارتدائه”. مشددة في الوقت نفسهعلى أن المحجبات اللواتي يعانين من انتقادات من بعض النسويين يجب أن يحظين بضمانات تمكنهن من المحافظة على حجابهن في المدارس أو أماكن العمل.

بدورها، قالت مديرة برنامج تركيا في “معهد الشرق الأوسط” الكائن بالولايات المتحدة غونول تول في تقرير نشر على الإنترنت إن “الحظر العلماني للحجاب (ومن ثم رفع المنع) أطلقا باسم تحرير النساء. لكن في الحقيقة، كلاهما سعى لفرض نسخته الخاصة للمرأة المثالية على المجتمع”. مضيفة أن رفع الحظر عن الحجاب كان رمزيا ضمن أجندة إردوغان الإسلامية الشعبوية الأوسع.

وأشارت تول إلى أن الرئيس البالغ 68 عاما “لم ينو قط تحرير” النساء حقاً، إذ أنه يراهُنّ إلى حد بعيد “كأمّهات وزوجات، وليس كأفراد”، مشددة على أن مفتاح تحرير النساء حقا هو عبر تمكينهن كأفراد وتشريع حق النساء في الاختيار.

ويشار إلى أن حزب العدالة والتنمية أيّد علنا سلسلة مظاهرات تدعم “الدفاع عن العائلة” في مواجهة حقوق أفراد مجتمع الميم. وكانت جلّ النساء اللواتي شاركن في هذه المسيرات محجبات.