خديجة البهجة رُشقتْ بالحجارة في الملعب، وحُرمت من أقرب المقربين، وتعرضت لإصابة أبعدتها عن مزاولة شغفها كرة القدم، لكنها لم تستسلم لكل العوائق بل جعلت منها حافزا مكنها من العودة إلى الميادين كأول مدربة لفريق ذكوري في المغرب، وتوجت بلقب أحسن مدربة من أصل ثلاثين مدرباً رجلا.
إنها خديجة البهجة، اللاعبة السابقة لكرة القدم والمدربة حاليا، تروي لمجلة “فرح” أبرز محطات مسارها المليء بالصعوبات والإنجازات.
بداية، هل لك أن تُعرّفي قراء مجلة “فرح” على خديجة البهجة؟
أولا شكرا على الالتفاتة الطيبة.
خديجة البهجة لاعبة سابقة لكرة القدم لعدة فرق بالقسم الوطني الأول، حملت قميص فريق شباب أطلس خنيفرة، والنادي المكناسي وفرق أخرى، كما تم استدعائي للفريق الوطني، لكن للأسف تعرضت لإصابة على مستوى الركبة في أحد تربصات المنتخب، الشيء الذي جعلني أبتعد عن مزاولة كرة القدم لفترة.
ثم عدت للعب بعد مدة من ذلك، وانضممت إلى فريق نادي تولال بمكناس بالقسم الوطني الأول آنذاك، لكن الإصابة السابقة لازمتني أثرت على أدائي، فلم أكمل المسار الذي كنت أطمح إليه كلاعبة.
فابتعدت فترة معينة عن مزاولة كرة القدم وأتممت دراستي وحصلت على شهادة الباكلوريا وشهادة في الإعلاميات واشتغلت في مجال آخر بعيدا عن كرة القدم، لكنني سرعان ما عدت للمجال الكروي من باب التدريب، وقلت لعلني أحقق ما أردت تحقيقه كلاعبة يوما ما.
متى كانت انطلاقتك الفعلية في التدريب؟
في سنة 2014 حصلت على دبلوم التدريب صنف (د)، ومنها كانت الانطلاقة حيث اشتغلت بالعديد من الفرق بمدينة فاس، كنادي الوفاق الرياضي الفاسي إناث الذي سبق وحققت فيه العديد من الألقاب كلاعبة، وبعدها توجهت إلى فريق شباب عين نقبي ودربت جميع فئاته العمرية ذكور لمدة أربع مواسم، ابتداء من 11 سنة وصولا إلى 17 سنة.
وفي الموسم الثالث شغلت منصب مساعدة مدرب فريق الكبار لنفس النادي، وكانت سابقة في قسم الهواة أن تتولى امرأة منصب مساعدة مدرب لفريق ذكوري.
ثم أتيحت لي في نفس الموسم فرصة الإشراف مباشرة على الفريق بعد مغادرة المدرب الأول، لأصبح بذلك أول امرأة مدربة في قسم الهواة التي تتولى قيادة فريق للذكور، والحمد لله تمكنت حينها من إبقاء الفريق في القسم الثالث، لأنه كان مهددا بالنزول.
بعد هذا الموسم، وبالضبط في سنة 2017، تم المناداة علي لقيادة فريق المغرب الرياضي الفاسي إناث، فلبيت النداء لغيرتي على مدينة فاس ولرغبتي الشديدة في تكوين فريق متكامل خصوصا بهذه المدينة التي تعتبر مشتلا للمواهب، وخير دليل على ذلك وجود العديد من اللاعبات الفاسيات في معظم الفرق الوطنية المزاولة في القسم الوطني الأول، وحتى في الفريق الوطني النسوي.
كما كانت لي تجربة رفقة منتخب العصبة لمدة ثماني سنوات كمتطوعة، منذ عهد الرئيس الرابحي، وعايشت فترة السليماني، طارق خزري، وشكيب جيار، ومحمد السفراني، وفتاح الغياتي، من خيرة الأطر التي تعلمت منها الشيء الكثير.
ما هي إنجازاتك رفقة المغرب الفاسي؟
شاركنا في العصبة بفريق يضم فتيات من مدينة فاس وجمعيهن أقل من 17 سنة، وتمكنا من الفوز ذهابا وإيابا، وبمجهود جماعي جيد وعمل مثابر حققنا الصعود إلى القسم الوطني الثاني، في سنة واحدة فقط، وأتى هذا المجهود بثماره حيث تم المناداة على ثلاث فتيات من صفوف الفريق للعب في صفوف الفريق الوطني النسوي لأقل من 17 سنة.
ومن الإنجازات التي حققتها رفقة فريق المغرب الفاسي أيضا وصولنا إلى نهائيات أول نسخة من بطولة المغرب على مستوى البطولات، حيث يشارك أحسن فريق عن كل جهة وكنا أول فريق فاسي يشارك. وقد واجهنا في النهائي فريق الجيش الملكي وانهزمنا أمامه بضربات الترجيح، وكنت سعيدة جدا حينها لأن المجهود الذي بذلته رفقة الفريق تبلور على أرض الواقع، وكان بمثابة تشريف وتكليف لي.
واستمرت تجربتي مع الفريق خلال الموسم الذي يليه في القسم الوطني الثاني، وحققنا ولله الحمد الفوز ذهابا وإيابا، داخل وخارج مدينة فاس.
وبعد مغادرة النادي، انضممت إلى أكاديمية خاصة، كيف كانت التجربة؟
بدأت الاشتغال في أكاديمية الأدارسة، التي أشتغل فيها لحدود الساعة لست سنوات متتالية، أشتغل بطريقة مقننة، وعلمية حديثة، كما أن الأكاديمية تشتغل بطريقة احترافية كما العديد من الفرق الكبرى، أحسست بالفرق الكبير طبعا لأنني اشتغلت لسنوات في ظروف صعبة وقاسية، وحين قدومي لها أحسست بأنني أعيد دراسة التدريب مجددا ولكن بطريقة حديثة، خصوصا وأنني كنت قد انتهيت من تجربة صعبة مع الإناث غيرت من نفسيتي الشيء الكثير.
في سياق الإكراهات والعراقيل التي واجهتِ، تُرى هل هناك مواقف أو تصرفات ظلت راسخة في ذاكرتك خلال مسارك كلاعبة ومدربة؟
هناك نظرة دنيوية لأنني أنثى وسمعت عبارات كثيرة من بينها: “ما طفروه حتى الرجال، غادي تطفريه نتي؟”، “جاية كتفهمي علينا، درتي فرقة ديال الماص”. وكما تعلمين، فالسائد أن زميلك في العمل هو عدوك “صاحبك فالحرفة عدوك” .
ومن المواقف التي أتذكرها أنني في إحدى المباريات بملعب المرنيسي، ولا داعي لذكر الأسماء، تعرضت للرشق بالحجارة من طرف فرق وأشخاص أعرفهم، وتمت مهاجمتي في حضور الإعلام، وتعرضت لنفس الهجوم بتاوريرت.
قمت بتدريب الفئات العمرية ذكورا وإناثا، ماهي الفئة التي أحسست أنك عانيت أكثر أثناء تدريبها؟
هي الفئة ما بين 15 و17 سنة، عانيت معها لأنها فئة دربت من طرف مدرب آخر، لا تعلم الطريقة التي تلقى تكوينه فيها، ولا العقلية التي يفكر بها، ومعظمهم ومعظمهن يمارسن كرة القدم لأول مرة، قادمين من الشارع، لم يزاولوا كرة القدم سابقا، خصوصا الإناث. لكن رغم ذلك كنا نحاول تقنين العمل معهم(ن) والتعامل معهم(ن) بطريقة معينة، كالتوجيه وصقل ما لهم ولهن من موهبة، وتلقينهم(ن) الانضباط أيضا.
ما الأريح الاشتغال مع الإناث أو الذكور؟
أقول لك الحقيقة؟ دائما ما أقول لو أعطوك أطفالا جيدين ولم تكن مرتاحا فهذا يعني أنك لست بالمؤطر والمدرب الجيد، وبالنسبة للفتيات دائما كنت أتمنى أن يكون لدي فريق غير متجانس ومختلف لأنه بعد ذلك المجهود يؤتي أكله وأحس بنشوة عظيمة (تضحك).
خديجة البهجة ما رأيك بخصوص ما تعيشه الكرة النسوية من انتعاشة؟
تعرف كرة النسوية مؤخرا ثورة مهمة جدا بفضل المجهودات التي يبدلها السيد فوزي لقجع، لكن الطريق لايزال طويلا ويجب التركيز على مكامن الخلل، كما يجب التركيز على المراقبة والمحاسبة بسبب التجاوزات الكثيرة التي تقع، خصوصا في ظل صرف المنح، فهناك من أصبح يجلب عائلته أو معارفه من أجل التوقيع فقط للحصول عليها (المنح) (بدون تعميم)، كما يجب التركيز على الطاقم الذي تولى له زمام الأمور، هل هو كفؤ أم لا. خديجة البهجة
هل هناك عروض قدّمت لك من خارج فاس؟
أجل هناك عروض خارج أرض الوطن، كنادي الشارقة، الفجيرة وعروض أخرى من الإمارات والسعودية، لكن لغيرتي وحبي وعشقي لمدينة فاس كان أقوى من أقبل أي عرض، كما أن الأمر تحدي لما عشته خلال مساري كلاعبة وكمدربة، أريد إثبات شخصي في هذه المدينة وهذا الوطن.