السوبرانو سميرة القادري: أسخر  طاقتي الفنية والمهنية من أجل ثقافة كونية رصينة وراقية

- Advertisement -

سميرة القادري

بدءا، تفضلي بتقديم نبذة تعريفية حول حياتك الشخصية والفنية؟

 

  • أولا، تحية محبة وفرح لكل قراء مجلة (فرح)التي تضيء اليوم جوانب مهمة في تجربتي الفنية الإنسانية.

سميرة القادري، سوبرانو مغربية، باحثة في غنائيات الأندلس، خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، حيث درست تقنيات الجسد والمسرح؛ وكذلك تقنيات الغناء الأوبرالي؛ ودرست الصولفيج والهارمونيا والبيانو على يد المؤلف الموسيقي مصطفى عائشة الرحماني  بالمعهد الموسيقي والرقص بتطوان. أخذت  أصول الغناء الكلاسيكي الأوبرالي على يد السوبرانو الأولى في المغرب صفية التجاني، وتتلمذت  على يد نخبة من الأساتذة داخل المغرب وخارجه أمثال الميزو سوبرانو إهام الوليدي في مادة تقنيات الصوت، و من إسبانيا على يد ميغيل أنخيل أورتاس، كما تلقيت دروسا مكثفة في الغناء القروسطوي والباروكي على يد أساتذة من المعهد الوطني للموسيقى بباريس. موهبة الغناء لازمتني منذ الصغر؛ حيث كنت أقف على خشبة المسرح وأنا في سن التاسعة فقط. ترعرعت في وسط فني؛ فوالدي كان يعشق المسرح والغناء؛ والدتي كذلك كانت تنتمي للزاوية الشرقاوية؛ وكما هو معلوم في الثقافة الصوفية وتقاليدها كانت هناك “النساء الفقيرات” فكان من الطبيعي أن أحفظ منها وأستقي من هذه التجربة بداياتي الأولى؛ وعند اشتغالي على الغناء الصوفي أوظف هذه الأمور؛ طبعا ليس بالضرورة بطريقتها التقليدية؛ ولكن عن طريق الاستلهام والاستنباط. صوتي الأوبرالي  عابر لثقافات  البحر الأبيض المتوسط، صوتي  قلم  ينبش في الذاكرة  الموريسكية، أغني  نصوصا  قديمة  بلغات  منسية، تفردت في أداء الشعر العربي في قوالب  الموسيقى العالمية العالِمَة . وأنا فاعلة ثقافية أسخر كل طاقاتي الفنية و المهنية  من أجل ثقافة كونية  رصينة وراقية.

وماذا عن مسارك الدراسي الأكاديمي؟

  • بالنسبة لمساري المدرسي كان لزاما علي الاختيار بين الولوج إلى المدرسة العليا للتجارة؛ أو الانضمام إلى معهد الفن المسرحي والتنشيط الثقافي؛  لم يعترضا والداي على متابعتي للدراسة في المجال الفني، فدرست في المعهد أربع سنوات؛ واستفدت الشيء الكثير، وكان لقائي حينها – وأنا ما أزال طالبة – بالسوبرانو الأولى في المغرب صفية التجاني، وهو اللقاء الذي أثرى حياتي ومساري، فهذه السيدة احتضنتني كثيرا وعلمتني، وأنا مدينة لها بالشيء الكثير، فهي لامست طاقاتي منذ البداية ؛ فإلى جانب الطاقة الجسدية للتمثيل والممارسة المسرحية والسينمائية، اكتشفت موهبتي وآمنت بأنه يمكنني التخصص في الغناء الإيريكي؛ وبالرغم من صغر سني كنت واعية بأن تقاليد هذا الغناء بعيدة كل البعد عن ثقافتنا؛ بل لنقل منعدمة تماما؛ يعاني من “التسلط” و”التغريب” لأنه ببساطة يحكم عليه بكونه فن مستورد.

هل لك أن تعودي بنا قليلا إلى بداياتك الأولى في عالم الأغنية؟

  • كانت بداياتي الأولى في عالم الأغنية، كأيّ طفلةٍ مرتبطةٍ بمحيطها العائلي، فبالإضافة إلى مشاركاتي الدائمة في الأنشطة المدرسية، كان لانتمائي إلى الزاوية الشرقاوية القادرية التي عرفت بالأغاني الصوفية النسائية يد في ولعي بالفن والموسيقى، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ علاقتي بالفنّ ارتبطت بشغف والدي الذي كان مولعا بالغناء والمسرح، ودائماً ما كان يُنظّم جلسات غنائية ولو على صعيد العائلة. فقد كُنا نعطي لذلك الدفء العائلي نوعاً من الحرّية. هذا بالإضافة إلى المدرسة، لأنّي كنت دوماً موجودة بقوّة كطفلة بعمر 9 سنواتٍ، مجنونة ومهووسة بالتجربة الرحبانية وبصوت فيروز التي أعتبرها قمّة وهرماً داخل العالم العربي، حيث ترعرعت على هذا الصوت الدافئ وعلى الغناء العميق والجميل. هكذا حفظت عن ظهر قلب أغاني الرحابنة وفيروز أيضاً، بل وكنت موجودة بالمدرسة في جميع المناسبات أجسّد وأمثّل هذه الأدوار التي كنت أشاهدها عبر البرامج. كما أنّ والدي أيضاً كان له أيضاً هذا الاهتمام بالموسيقى، حيث كان يتقن غناء اللون الكلاسيكي الذي نعرفه كمغاربة  من الزمن الجميل. فكل هذه الأجيال أشعلت فيَّ هذه الروح وأذكت في نفسي الموهبة منذ طفولتي،  وجعلتني أنشأ وسط طقوسٍ جيدة ملائمة. بالإضافة إلى أنّ والدي، وبحكم أنّنا كنّا نسكن خارج المدينة بسبب ظروف عمله، فقد كان دائماً يُحاول تنظيم بعض مَجالس الطرب والغناء والتمثيل أيضاً. إذْ كان ينصب مسرحاً صغيراً في الهواء الطلق، ويترك لنا حرية تفجير مواهبنا بكل تلقائية. لكنْ هذا الولع سيتطوّر عبر مراحل العمر من الطفولة مرورا بالمراهقة ووصولا إلى الشباب، وسينمو بالفيروزيات والتراثيات، لا سيما الأغاني الأندلسية الغرناطية.

حدثينا عن تجربتك الجديدة في ألبوم “حين الهوى”؛ ما جديد هذا الألبوم،

سواء من حيث المضمون أم الاشتغال الموسيقي؟ 

سميرة القادري

  • ألبومي الجديد “حين الهوى” يضم سبعة أعمال غنائية، من كلمات محمد موسى محمود، وتأليف مصطفى مطر، وإخراج أحمد سعيد القادري. كما يعد هذا الألبوم عملا مشتركا بيني وبين ثلة من المؤلفين والموسيقيين من المغرب وتونس ولبنان وإسبانيا، وكذا من الفرقة الموسيقية الكلاسيكية الفيلارمونية.

  والهدف من هذا المشروع الفني المشترك هو وضع اللغة العربية – باعتبارها  لغة سلسة وعميقة وقابلة للتطويع – في قالب من قوالب الموسيقى العالمية العالمة (قالب الموسيقى الغنائية الطربية والأوركيسترالية)، حيث سيكون بمقدور المتلقي الاستمتاع بحوارات ما بين الأوركيسترا الفيلارمونية والآلات الشرقية. هذا بخصوص الألبوم كاملا.

أغنية “أسميتها قمري”، هي أول أغنية في هذا الألبوم، وقد حققت والحمد لله نجاحا لافتا، أو بالأحرى لنقل شهدت انتشارا واسعاً على الساحة المغربية والعربية، سيما وأنها عُمِّمَت على القنوات والفضائيات العربية لتفرده بالعودة إلى أمجاد غناء القصيدة العربية. وهذا لم يأت من فراغ، فقد حاولت وفريق العمل أن نشتغل على هذه الأغنية بإيمان راسخ، مع وضع رؤية واستراتيجية واضحة ودقيقة من حيث الأفكار، معتمدين في ذلك على السلاسة والبساطة والسهولة في اللغة، لأن القصيدة جزلة المعاني تضيع على المتلقي/ المستمع المتعة الموسيقية التي دائما ما يصبو إليها كل فنان في أي عمل إبداعي كيفما كان. لذا يمكنني القول أن هذه الأغنية كانت هي الأسهل من حيث الإحساس الجماعي لفريق العمل.

قمتِ بدراسة قاربتِ من خلالها أوجه التشابه بين العديد من الأنماط الموسيقية ،

ما أهم النتائج التي خلص إليها بحثك؟

  • لطالما أردت وبنهمٍ التعرف على ثروتنا التراثية التي خلفها أجدادنا بالأندلس، وطالما تساءلت حول طبيعة الذاكرة المشتركة التي تجمعنا ودول البحر الأبيض المتوسط، وحول المساهمة الفعلية للمسلمين، سواء كانوا عربا مشارقة أو عرب الأندلس أو أمازيغ، في عهد الأندلس على المستوى الموسيقي.

ولتحقيق هذا المراد لجأت إلى الاطلاع على وثائق ومخطوطات من أجل إنجاز مقاربة تهدف إلى رصد أوجه التشابه والتقارب القائم بين “الكانطيغا” والموسيقى الأندلسية، والتشابه بين الغناء التروبادوري المعروف في جنوب فرنسا والموسيقى الأندلسية، وكذا التشابه بين موسيقى الميسنجز المنتشرة في الأراضي المنخفضة ونظيرتها الأندلسية، إضافة إلى رصد عوامل التشابه بين الفلامينغو والموسيقى الأندلسية.

وكنت كلما اقتربت من مفاتيح الإجابة عن التساؤل، تولدت لدي أسئلة أخرى أكبر، مما جعلني أوسع حدود بحثي، ليشمل المرحلة الذهبية للموسيقى في تلك العصور. لذا، قمت بإنجاز مُقاربَة مقارِنة بين الأشكال الموسيقية التي كانت سائدة في القرون الوسطى وعصر النهضة، ومدى ارتباطها بأشكال الموسيقى الأندلسية، ولا أعني بذلك موسيقى الآلة تحديدا، التي نعتبر الوريثين الشرعيين لها.

والنتيجة التي توصلت إليها، مفادها أن ما يوجد حاليا في البحر الأبيض المتوسط من أشكال وألوان موسيقية وغنائية، كالسفارديم المرتبط بيهود الأندلس، وكل أشكال الكنطاطا، لا تعدو أن تكون من صنع الأجداد المسلمين الأوائل بالأندلس، رغم أن بعض المستشرقين ينكرون علاقتها بذلك، ويزيفون هذه الحقائق.

ما  هي أسباب ودوافع اختيارك لهذا اللون الغنائي؟ وما هي أبرز المحطات

التي ميزت التجربة الغنائية لدى سميرة القادري؟

  • عند تخرجي من المعهد، كانت لدي طموحات كثيرة، كما كانت لدي مجالات متعددة للاختيار، كنت أفكر في البداية بمجال التمثيل؛ كما في قطاع التدبير الثقافي، إعداد البرامج أو الإخراج؛ وفكرت أيضا بأن أسافر خارج أرض الوطن لأتابع الدراسة في الغناء المسرحي.وحين أقول الغناء المسرحي (الأوبيرالي)، فهو الغناء الذي يجمع بين الغناء كأداء صوتي وما بين الأداء الجسدي؛ بمعنى غناء تؤدى فيه أدوار مختلفة تفرض عليك أن تكون ذو تكوين أكاديمي لتؤهلك لأدائها بشكل احترافي وراقي.

ولكن بعد التخرج، رحلت إلى مدينة تطوان وهناك سلكت حياتي الفنية والمهنية مسلكاً آخر؛ انضممت حينها إلى إحدى الفرق الغنائية بتطوان، وخضت تجربة أخرى بإسبانيا، حيث أتيحت لي فرصة الاستفادة من الدروس المكثفة داخل “الماستر كلاس”، الأمر الذي ساعدني على تطوير  قدراتي ومهاراتي الفنية.

   أما بالنسبة للمحطات التي ميزت تجربتي الغنائية  فيمكن تقسيمها إلى ثلاث محطات رئيسية: المحطة الأولى هي التي جمعتني بالمؤلف الموسيقي الراحل مصطفى عائشة، اشتغلنا فيها سويا على القصيد السمفوني، والمونودراما حول المعتمد بن عباد، أديت فيها دور الرميقة أو عاشقة المعتمد؛ وهذه الأشياء كلها كان لها خط عالمي لا يمكن للمستمع العادي أن يفهمها. والمحطة الثانية ارتبطت بمرحلة البحث العلمي الأكاديمي؛ أي الإنتقال من السوبرانو؛ الغناء الأوبرالي والليد في تجربتي مع مصطفى عائشة إلى غنائيات البحر الأبيض المتوسط وهي التجربة التي قربتني أولا من الاشتغال على الأندلسيات شرق-غرب؛ وليس فقط المالوف أو الغرناطي. وأنا أعتبر هذه المحطة جد مهمة، حيث تمكنت خلالها من التعمق في البحث عبر المكتبات العمومية العالمية وفي المخطوطات، وأعدت الاشتغال بطريقتي الخاصة على الميلوديات التي تروق لي وتستهويني، وذلك بمساعدة مجموعة من أهل الاختصاص من مختلف المدارس، منهم من أتى من مدرسة الآلة والغرناطي، ومنهم من جاء من المدرسة الأندلسية، والمدرسة الطربية.

أما المحطة الثالثة والأخيرة تعلقت بالتحديث المنهجي؛ أي أنني حاولت بناء أرضية جديدة تروم الاشتغال على النسيج الموسيقي المغربي، المغاربي، العربي والمتوسطي، وكان من اللازم أن يكون لي أسلوب خاص، أمزج من خلاله بين جميع المدراس التي مررت بها، فكان عملي “مزيج” ثمرة هذا الاجتهاد. وما يميز هذه المرحلة أنني خرجت فيها عن نمطي المألوف، وانفتحت على موسيقات مغربية مختلفة ومتنوعة،  وأديتها بصوت يؤالف بين الطربي والليريكي.

يقال إنك اكتشفت أو أبدعت إيقاعات جديدة في الموسيقى المتوسطية،

ما مدى صحة هذا القول؟

سميرة القادري

  • عندما نتحدث عن علاقتي بالدراسة والبحث والتأطير، يلزمني توضيح بعض الأخبار المتداولة والشائعة والتي لا أساس لها من الصحة. إلى حد الآن لم يسبق لي نشر أو إصدار  أي كتاب أدعي من خلاله أنني اكتشفت إيقاعات جديدة أو شيء من هذا القبيل، فحينما أقرأ  في بعض وسائل الإعلام بأن سميرة القادري اكتشفت نظريات جديدة في الموسيقى، يجتاحني الخجل، لأن هذا الكلام كبير جداً بالنسبة لي. وحتى إذا عدنا إلى تاريخ الموسيقى العربية فإننا لن نجد بها أية نظريات جديدة، لكنني لا أنكر أنني إنسانة مجتهدة ومثابرة، وأن كل الأفكار والمشاريع التي طرحتها كانت دائما سباقة وعيقة،  وبحكم اشتغالي بخلية الأبحاث بإسبانيا قمت بتأطير مجموعة من الأبحاث مع ثلة من أهل الاختصاص حول بعض المقاربات التيتهدف إلى رصد أوجه التشابه والتقارب القائم بين “الكانتيغا” والموسيقى الأندلسية، والتشابه بين الغناء التروبادوري المعروف في جنوب فرنسا والموسيقى الأندلسية، وكذا التشابه بين موسيقى المنسنحير الألماني ونظيرتها الأندلسية، إضافة إلى رصد عوامل التشابه بين الفلامينغو والموسيقى الأندلسية.

نعلم أن سميرة القادري تمكنت من حفر اسمها في الساحة الفنية المغربية والعربية والعالمية صوتا وأداء وتشخيصا، وذلك عن طريق جمعك بين الأداء الرصين والبحث الأكاديمي الذي  تطلب منك سلك أروقة المكتبات وفي المخطوطات. ما الذي دفعك إلى الجمع بين الغناء والبحث؟

  • بالفعل لأنني كنت دائما معروفة فقط بمغنية أوبرا، وجانب البحث في الحقيقة هو من  باب الصدفة أيضا، لأن البحث والنبش في الذاكرة الأندلسية الموريسكية فرض علي أحيانا أن أطرح مجموعة من الأسئلة قبل أن أختار شكلا غنائيا معينا لأدائه، وقد بدأ التحول في مساري عندما شرعت في أداء القصائد الليريكية المصاغة في قوالب أكاديمية، وهي تجربة كانت منفردة على مستوى الوطن العربي لكنها لم تنل النجاح الكبير لأنها بقيت نخبوية حتى في داخل النخبة نفسها. إذن عندما أرى أن عشقي لهذا الغناء يتجاوز المألوف فإنني أجد أنه من الحرام أن أحد من قدراتي للتأمل أكثر في هذا الفن خاصة عندما نعلم أن تقاليد هذا الفن للأسف غائبة ليس فقط في المغرب ولكن في بقاع متعددة من العالم العربي ولو أن لديهم كنائس وتخصصات متعددة واذكر بالخصوص سوريا ومصر وفلسطين كذلك فان التخصص في الغناء القروسطاوي غائب وهو الأمر الذي سعيت لأتخصص فيه ومن تم شاركت في اسطنبول في مهرجان ملتقى مدارس البحر الأبيض المتوسط سنة 2000 ومن بعد بدأت أتلقى دروسا في مكثفة في الغناء الإيريكي وبالصدفة سمعت نوعا من الأغاني عشقتها أذني في أول وهلة وأحسست أنها تحمل جزءا منا وأنها قريبة منا بشكل من الأشكال ومن تم بدأت أطرح التساؤلات لماذا هذا التطابق ..ولماذا هذا التشابه ؟

هذه الأسئلة وأخرى كثيرة هي التي تستفزنا وتحرك غريزة البحث لدينا وتحولنا إلى مسارات أخرى، ومن هنا تولد الباحث الأكاديمي في مساري وكان علي أن أخوض هذا المسار “مسار الباحثة الأكاديمية” وأدخله من بابه الواسع، حيث ولجت إلى جامعة قادش باسبانيا للدراسة، وانضممت إلو مجموعة البحث في الشعبة ومن تم بدأت الخطوات. وإن ما ساعدني على ذلك وجعلني محظوظة هو كوني مغنية، أي كل ما كان يخطه قلمي على الورق كان صوتي يترجمه عبر الغناء.

اليوم، وبعد هذا المسار، كيف تقيّمين أداء المعاهد الموسيقية في المغرب؟

  • المعاهد الموسيقية بالمغرب، للأسف لا زالت تنهج أسلوبا تعليميا أكل عليه الدهر وشرب، لأن الموسيقى دائما في تطور مستمر، وهم مازالوا متمسكين بالمناهج الفرنسية التي تحتاج هي الأخرى إلى إعادة النظر. وفي هذا السياق، دائما ما أعود وألجأ إلى التجربة الموسيقية الآسيوية، بحكم اشتغالي وعلاقتي معهم، لا سيما كوريا وكوريا الجنوبية واليابان، جميعها تعتمد طرقا ومناهج موسيقية حديثة، وفي كل مرة يفاجئوننا بأشياء جديدة؛ وأنا هنا أتحدث عن تخصصي وعن مناهج التعليم الموسيقية. فحين استحضار تجربتي المتواضعة مثلا، هناك بعض التخصصات الموسيقية التي درستها بالمعهد الموسيقي في المغرب، لم يكن هناك بُدٌّ من دراستها، لأنها في نظري لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فما الفائدة من دراسة سبعة مفاتيح موسيقية في مادة الصولفيج أو أية مادة أخرى، فهي تخصصات بحد ذاتها، على سبيل المثال؛ أنا سأتخصص بالغناء الإيريكي، والغناء الإيريكي لا يتطلب منا سوى دراسة مفتاحين لا أكثر، السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا قضيت أزيد من ثماني سنوات في دراسة الصولفيج، وكان بإمكاني سلك طريق آخر، أو تكريس هذه التحربة منذ البداية في الغناء الإيريكي الذي لا يحتاح إلا لمفتاحين كما قلت سابقا.

لهذا وذاك، أقول أن مناهج الموسيقى المغربية تحتاج إلى تغيير، أو بالأحرى إلى تحديث، كما نحتاج إلى معاهد عليا لتلقين الفن الموسيقي على غرار باقي الدول العربية كمصر وتونس والأردن. فعلى الرغم من أن المملكة المغربية شهدت تقدما ملموسا في كافة الأصعدة والمجالات، إلا أن مجال التربية الجمالية أو لنقل التربية الموسيقية ما يزال محتشما، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى افتقارنا إلى معاهد موسيقية عليا، لأن المعاهد هي التي تفتح لك الآفاق من خلال إخضاع الموسيقى للدراسة الأكاديمية في الكليات والجامعات، لم لا.

سميرة القادري

باعتبارك عضوا في لجنة تحكيم برنامج “عندي حلم”، كيف ترين مستقبل المواهب المغربية؟

  • قمنا بتسجيل حلقات برنامج “عندي حلم” خلال فترة كورونا، وهذا ما فرض علينا الاكتفاء فقط بالمواهب التي تتواجد داخل الرباط والدار البيضاء فقط، جراء تدابير الإغلاق العام والحجر الصحي. وعلى الرغم من ذلك فقد كانت هناك مواهب جد رائعة، كان من ضمنهم أطفال يتامى، والحقيقة أننا عشنا معهم تجارب مختلفة وجميلة جدا. وكما قال محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، فعلا إن المغرب يمتلك طاقات ومواهب وكفاءات عديدة وما يلزمها إلا الاحتضان والتوجيه.

هل يساهم الإعلام المغربي في تسليط الضوء على الإشراقات الجديدة

سيما تلك التي تتعلق بالموسيقى الراقية؟

  • في هذا الصدد، أقول إن الإعلام كان صراحة ضعيفا نوعا ما في تقديم هذه الموسيقى الكلاسيكية الراقية؛ أو قل هذه الموسيقى العالمة؛ مما جعل ثقافتنا وتقاليدنا الفنية والموسيقية  ضعيفة جدا في هذا الإطار.

كلمة أخيرة لقراء مجلة “فرح “؟

سميرة القادري

  • تحية محبة وفرح لكل قراء مجلة فرح التي  تضيئ اليوم جوانب هامة  في  تجربتي الفنية الإنسانية، شكرا لكم على الاستضافة، وعلى كل إشراقة للمشاريع الفنية التي تنتصر لفعل الجمال، وتهتم بتمرير خطابات راقية وأنيقة في مفهوم الذاكرة، وهذا هو المطلوب، سيما وأننا نرى أن إعلام اليوم ينشغل بكل ماهو مكرر واجتراري، ويغض الطرف عن التجارب الجميلة التي تحتفي بالجمال والفن والإبداع في أبهى صوره، شكرا لمجلة فرح مرة أخرى، وأتمنى أن تكون لنا لقاءات أخرى في المستقبل كلما كان لدي مشروع جديد، لأنني مازالت مستمرة في مشاريعي الموسيقية، وسأكون دائما جد سعيدة بالإطلالة مرة أخرى من خلال بوابتكم “فرح” على متلقي جيد ينتظر منا الكثير.