السيرك من عروض تهريجية إلى العروض الهادفة

- Advertisement -

لطالما شكل المهرجان العالمي لسيرك الغد الذي أُطلق عام 1977 في العاصمة الفرنسية باريس مساحة ثقافية تمتزج فيها الثقافات من مختلف أنحاء العالم، وفرصة أمام العاملين في القطاع لرصد المواهب الجديدة القادرة على الابتكار، على غرار فرقة “سيرك دوي سولاي” التي باتت منذ 1984 رمز السيرك بصيغته الجديدة التي لا يستعان فيها بالحيوانات.

ومع أن السيرك كان لا يزال قائماً على المنحى الهزلي حتى ما قبل عشرين عاماً، بات اليوم مختلفاً جداً، حيث أظهر المهرجان العالمي لسيرك الغد الذي وُزعت جوائز دورته الثانية والأربعين في باريس تحوّلاً في قواعد هذه العروض، إذ لم تعد مجرّد إبراز لبهلوانيات أو قدرات بدنية أو تهريج، بل باتت تهدف إلى التعبير عن أفكار ورسائل.

في هذا الاتجاه، أشار بافيل كوتوف، مدير اختيار الفنانين الدوليين في “سيرك دو سولاي”، إلى أن توجهات الجيل الجديد تتمثل في عدم تقديم عرض فقط، بل مخاطبة العالم من خلال فنهم والتعبير عن رسالة معينة مهمة بالنسبة وإليهم”، مشيراً على سبيل المثال إلى عروض تتسم بطابع كئيب للتعبير عن مرحلة جائحة كوفيد -19 التي غابت عنها العروض.

واختار المهرجان في نسخته الثانية والأربعين 24 عرضاً من أصل 320 عرضاً. ومنحت لجنة تحكيم متعددة الجنسية الجائزة الكبرى لفناني تأرجُحٍ فرنسيين من فرقة “La tangente du bras Tendus”،  متقدمين على الفرقة الإثيوبية “كولف” التي نالت أيضاً جائزة الجمهور، والفرنسي كانتان سينيوري.

La Tangente du Bras Tendu
La Tangente du Bras Tendu

وتقدم الفرقة عرضاً بعنوان “مقاومة” يشارك فيه 8 رجال ونساء يرتدون ملابس رمادية تخلو من أحجار الراين أو الترتر، في بهلوانيات أخاذة على ارتفاع 14 متراً على وقع موسيقى من أربعينات القرن العشرين، فيما هم يرمون المنشورات.

وشرح جيروم هوزينبوكس، أحد فناني الأرجوحة، أنه “عرض يتناول الدعاية السياسية والاستبداد والديكتاتورية”. وأضاف “لقد أدينا هذا العرض قبل الحرب في أوكرانيا بوقت طويل ولكن يا للأسف لا يزال مناسباً”.

من جهة أخرى، يعد “بارنوم” المولود بنسخته الحديثة في 4 أبريل 1768 من فكرة لضابط من سلاح الفرسان الإنجليزي يرتدي الزي الأحمر، تمكن من أن يصمد أمام الأزمات والمحظورات ، ولا سيما تلك الحديثة المتعلقة بالحيوانات، بفضل تجدده الدائم وقدرته المستمرة على الابتكار وإعادة النظر في صيغته. فسيرك “بارنوم” الشهير، الذي توقف عام 2017 بعد إلزامه الاستغناء عن الفيلة في عروضه، يعود إلى الساحة مجدداً هذه االسنة، لكن من دون حيوانات.”

وحول هذا الأمر، قال مدير فريق اختيار الفنانين في “بارنوم” جوليو سكاتولا “عندما سألنا جمهورنا في الولايات المتحدة عما افتقدوه في عالمنا، أجابوا أنهم لم يفتقدوا الحيوانات بل الإثارة النابعة من تَشارُك لحظات والحلم معاً”.

ورأى مؤرخ السيرك والمدير الفني للمهرجان باسكال جاكوب أن “السيرك موجود لأنه، في مرحلة ما، بحيوانات أو من دونها، يجمع الناس حول أداء بشري يسحر ويُحدث تأثراً”. مضيفا أن “سيرك الأمس كان سيرك فروسية (…)- أما اليوم فيتعلق أكثر وأكثر بالمجتمعات التي يتوجه إليهاـ أما سيرك الغد (…) فإما أن يكون سياسياً أو لا يكون”.