النظام الغذائي المناسب لتخفيف أعراض التوحد لدى الأطفال

- Advertisement -

تعد اضطرابات طيف التوحد مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ، والتي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التقديرات تشير إلى معاناة طفل من بين 100 من التوحد في العالم، إلا أن العديد من الدراسات تؤكد أن هذه المعدلات تفوق هذا الرقم بكثير.

وترتكز المقاربة العلاجية للطفل التوحدي على مواكبة متكاملة ومتعددة التخصصات، من بينها مواكبة أخصائي التغذية، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن النظام الغذائي المناسب له دور كبير في إحراز نتائج إيجابية لدى العديد من الحالات المصابة بالتوحد.

وفي هذا الصدد، تجيب الأخصائية في التغذية والحمية العلاجية، رحاب شواري، وهي أيضا رئيسة الجمعية المغربية للحمية والتغذية، عن ثلاثة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، توضح فيها طبيعة العلاقة القائمة بين التغذية وتفاقم أعراض التوحد، والنظام الغذائي الملائم للأطفال التوحديين، فضلا عن عدد من الأخطاء الغذائية التي يرتكبها بعض الآباء.

1 – هل ثبت علميا وجود علاقة بين التغذية وتفاقم الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال التوحديين ؟

هذه العلاقة مُثبتة علميا بسبب الارتباط الوثيق بين الجهاز الهضمي (وبالضبط القولون) والدماغ. فالعلاقة الموجودة بين هذين العضوين الحيويين في جسم الإنسان تحدد لنا العديد من التفاعلات الكيميائية التي لها علاقة بالتواصل، وبالنواقل العصبية التي تتحكم في النوم والمزاج وتؤثر بشكل كبير على ذواتنا.

ووجود خلل على مستوى هذه العلاقة يعني أن التكوين البكتيري على مستوى الأمعاء يتسم بعدم التوازن ما بين البكتيريات النافعة والبكتيريات الضارة، وهو الأمر الذي نلاحظه لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. ويؤدي هذا الاختلال في البكتيريا إلى ارتفاع مستوى الالتهاب في القولون والجسم بأكمله، بما في ذلك الجهاز العصبي لدى الأطفال ذوي التوحد الذي يصبح بدوره في حالة التهاب، مما يتسبب في تفاقم الاضطرابات السلوكية لديهم.

ومن جهة أخرى، ينجم عن هذا الخلل في التكوين البكتيري على مستوى الأمعاء لدى الأطفال التوحديين، حدوث مشاكل في الهضم وفي الامتصاص، مما يؤدي إلى بروز مشاكل نقص الفيتامينات والأملاح المعدنية، بالإضافة إلى ملاحظة عدد من السلوكيات الغذائية مثل الانتقائية الغذائية، أي أنهم ينتقون الطعام بشكل مفرط بناء على الشكل أو اللون أو المذاق.

وفي بعض الأحيان، ورغم اتباع الأطفال التوحديين لنظام غذائي، إلا أنهم يعانون من نفس الخلل على مستوى الجهاز الهضمي، الذي يتسبب في إصابتهم بالعديد من أنواع الحساسيات الغذائية بسبب عدم تقبل أجسامهم للكثير من الأغذية.

وانطلاقا مما سبق، تبرز أهمية تحقيق هذا التوازن البكتيري لدى الأطفال ذوي التوحد من خلال الحد من تكاثر البكتيريا الضارة على مستوى الأمعاء التي تطرح السموم في الجسم وتؤثر على الجهاز العصبي لهؤلاء الأطفال، ودماغهم، وعلى إفراز النواقل العصبية، وعمل العديد من الغدد والكبد، وذلك من أجل خفض مستوى الالتهاب والسُّمية في أجسامهم.

وهذا يعني بشكل أدق، أن الاهتمام بالتغذية والحمية العلاجية لهؤلاء الأطفال يمكن من تخفيف أعراض اضطراب طيف التوحد لديهم.

2- ما هي الأغذية المنصوح بها لتحسين حالة الأطفال التوحديين ؟

رغم وجود بعض النصائح الغذائية المشتركة الخاصة بجميع الأطفال التوحديين، إلا أن كل طفل منهم يشكل حالة خاصة تحتاج حمية علاجية مناسبة له، وذلك أخذا بعين الاعتبار الحساسيات الغذائية التي يعاني منها. فمن بين هؤلاء الأطفال من يعاني من حساسية الغلوتين (بروتين موجود في الحبوب) أو الكازيين (بروتين موجود في الحليب ومشتقاته) أو الأكسالات (مادة طبيعية تنتج عن هضم عدد كبير من الأغذية والمشروبات)، وهذا يعني ضرورة تفادي المواد الغذائية التي تحتوي على هذه المكونات أو التقليل من استهلاكها (في حالة ارتفاع الأكسلات مثلا).

ويتعين التأكيد في هذا الصدد، على أن الأمر لا يتعلق بالحرص على التغذية المتوازنة للطفل التوحدي فقط ، وإنما باتباع حمية علاجية مبنية على التحاليل الطبية للطفل والسلوكات التي تظهر عليه، سواء تعلق الأمر باضطرابات على مستوى النوم أو التركيز أو الحركة الزائدة.

وعموما، هناك مواد ننصح بشدة بتفاديها مهما كان مستوى التوحد لدى الطفل أو السلوكيات التي يقوم بها، لأنه ثبت علميا أنها تساهم في تفاقم حالة الأطفال التوحديين. ويتعلق الأمر بالأساس بالأغذية المحتوية على السكر، بما في ذلك السكر البني وسكر الكوكو، لأن المواد الغذائية الحُلوة تغذي البكتيريا غير النافعة وتزيد من حدة مشكل عدم توازن البكتيريا على مستوى الأمعاء، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الالتهاب في الجسم الذي يتسبب بدوره في اضطرابات في النوم وفي السلوك وزيادة الحركة ونقص في التركيز.

فالسكر له تأثير جد سلبي على الجهاز العصبي لدى الأطفال التوحديين، وإزالته من نظامهم الغذائي يساعدنا على التحكم في السلوكيات الصادرة عنهم.

ويتعين كذلك تجنب الدقيق الأبيض الذي يغذي بدوره البكتيريا الضارة في الأمعاء ويزيد من مشاكل الهضم والامتصاص لدى الأطفال التوحديين، بسبب عدم احتوائه على ألياف غذائية.

ويجب أيضا تفادي تناول الطفل التوحدي للأغذية المصنعة، وكذلك المكملات الغذائية بدون القيام بالتحاليل الطبية اللازمة وبدون استشارة أهل الاختصاص. وفي المقابل، يجب زيادة حصة الخضر والفواكه في تغذية الطفل التوحدي، ومعالجة مشكل الانتقائية الغذائية لديه، وكذلك المشاكل الغذائية الأخرى التي تؤثر على الهضم وامتصاص الفيتامينات والمعادن.

3 – إلى جانب النظام الغذائي الملائم، ما هي النصائح العامة التي توجهونها لآباء الأطفال التوحديين؟

النصيحة الأولى هي التشخيص المبكر الذي يساهم بشكل كبير في العلاج السلوكي للطفل التوحدي من أجل مساعدته على الاندماج داخل المجتمع. كما أشدد على ضرورة الابتعاد عن “التطبيب الذاتي”، حيث يلجأ عدد من الآباء إلى اعتماد أنظمة غذائية مأخوذة من الانترنت أو حميات مكنت من تحسن حالة البعض، وكذا استخدام المكملات الغذائية بشكل عشوائي، مما قد يتسبب أحيانا في إلحاق الأذى بأطفالهم.

فعلى سبيل المثال، يعتمد العديد من آباء الأطفال التوحديين، وبدون استشارة طبية، الحمية العلاجية القائمة على حذف المنتجات التي تحتوي على الغلوتين والكازيين، بسبب النتائج الجيدة التي حققتها هذه الحمية لدى بعض الحالات، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل في النمو لدى أبنائهم.

وهناك أيضا من الآباء من يلجأ إلى حقن ابنه المصاب بالتوحد بحقن (B12) من أجل مساعدته على الكلام، بدون القيام بالتحاليل الطبية اللازمة والتأكد من أن الطفل لديه نقص في هذا الفيتامين.

وفي السياق ذاته، يجب التأكيد على أن النقص المسجل في المختبرات المتخصصة في هذا النوع من التحاليل، وكذلك عدم وجود تعويض على العديد من التحاليل الطبية والمكملات الغذائية من طرف هيئات التأمين عن المرض، تدفع الآباء إلى التغاضي عن العديد من الاستشارات الطبية والتحاليل، وعدم سلك الخطوات الطبية الصحيحة التي تساعدهم على تحسين حالة أبنائهم.

وأشدد في الختام على أن تغذية الطفل التوحدي تكتسي أهمية بالغة، لأنه يستحيل أحيانا بالعلاجات السلوكية فقط التحكم في سلوكيات هؤلاء الأطفال، لذا فمن الضروري معالجة المشاكل البيولوجية التي يعانون منها.