المرأة التي أجلسها الملك على الكرسي وجلس هو على الأرض

- Advertisement -

لعل المتتبع لسيرة الأكاديمية والدبلوماسية المغربية رجاء ناجي مكاوي العلمية والعملية، يلفي أنها كانت من النساء القليلات اللواتي حظين بفرصة أن يكن الرائدات في مجالات عدة؛ فعلاوة على كونها أول مغربية تنال شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة محمد الخامس سنة 1997، كانت أول مغربية تلقي درسا حسنيا رمضانيا بحضرة الملك محمد السادس سنة 2003 تحت عنوان: “كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات”، وهي أول عربية وإفريقية تؤسس وحدة “قانون الصحة”، في الماستر والدكتوراه، وأول من تبرع بالأعضاء لما بعد الوفاة في المغرب، وهي نفسها المرأة التي كتبت في حقها الصحف: “المرأة التي أجلسها الملك على الكرسي وجلس هو على الأرض”.

 فمن تكون رجاء ناجي مكاوي؟ 

في الخامس عشر من شهر دجنبر عام 1958، استنشقت رجاء ناجي مكاوي أولى أنفاسها في مدينة وزان، ونشأت وترعرعت وسط أسرة محافظة. فوالدها محمد ناجي كان محتسبا للمدينة وعاما موسوعيا وأحد أعيانها ومثقفيها، فيما كانت والدتها تُعنى برعاية البيت وتربية أبنائها الخمسة.

وحرصت أسرة رجاء مكاوي على تلقيها التعليم الأولي والثانوي إلى أن حصلت على شهادة الباكالوريا عام 1977، قبل أن تغادر إلى مدينة الرباط رفقة زوجها، حيث تابعت دراستها الجامعية ونالت الإجازة في القانون المدني وقانون الأعمال، ثم الماجستير من جامعة محمد الخامس (الأولى على الدفعة) بعد عشر سنوات. فكانت أول امرأة مغربية تحصل على دكتوراه دولة في القانون من جامعة محمد الخامس عام 1997، حول موضوع “نقل وزرع الأعضاء”.

وشكل موضوع “زرع الأعضاء” القضية المركزية التي ناضلت من أجلها رجاء مكاوي لسنوات طويلة، سيما وأنها تعتبر التبرع بالأعضاء صدقةً جاريةً، حاملة شعار “من أحيى نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا”. وفي سياق ذلك، ضغطت مكاوي رفقة فريق طبي على الحكومة المغربية من أجل إصدار قانون يسمح وينظم مسألة زرع الأعضاء، ويمنع الترخيص للقطاع الخاص بممارسته.

ومن خلال كتابها الصادر عام 2002 تحت عنوان “نقل وزرع الأعضاء”، الذي جاء في تقديمه توصية كالتالي: “إلى كل من ملك الشجاعة للتنازل عن جزء منه لإنقاذ حياة إنسانية، لأجل ذلك أوصي بهبة جثتي للعلاج أو للبحث العلمي”، اعتُبِرت مكاوي أول مغربية وعربية تعلن عن التبرع بأعضائها بعد الوفاة.

هذا، وتعد مكاوي أول من أسست وحدة قانون الصحة في إفريقيا والعالم العربي، وأصدرت عدداً من الكتب ونشرت الكثير من المقالات العلمية التي تتناول القانون الطبي وسلوكيات مهنة الطبيب، أبرزها ” نقل وزرع الأعضاء أو الاستخدام الطبي لأعضاء الإنسان وجثته”، و”نقل الدم”، والأوثانازيا، والاستنساخ والمسؤولية الطبية… و”الأطفال المهمشون: قضاياهم وحقوقهم”، ومواضيع أخرى كثيرة.

وتقلدت مكاوي مناصب ومسؤوليات أكاديمية عديدة، حيث شغلت منصب أستاذة للتعليم العالي بجامعة محمد الخامس، ورئيسة وحدة البحث في قانون الصحة، وخبيرة ومستشارة قانونية لعدد من المؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية، وعضوية لجنة تحرير المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد منذ عام 1996. وحاضرت في أرقى الجامعات والمراكز الأمريكية والأوربية والعربية، وفي أفريقيا وآسيا.

في 2008 عينها جلالة الملك عضوا في المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه جلالته، وفي 2011، عينها جلالته عضوا في اللجنة الملكية لتعديل الدستور. ثم عضوا في الهيئة العليا لإصلاح العدالة، قبل أن يعينها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عام 2019، سفير جلالته لدى الفاتيكان والهيأة السيادية العسكرية لمالطة.

ولقاء جهودها الحثيثة في ممارسة وإغناء البحث العلمي، اختيرت رجاء ناجي مكاوي سيدة السنة من قبل جريدة “العلم” المغربية عام 2003، واختيرت كإحدى أبرز الشخصيات المؤثرة في العالم العربي عام 2005 من قبل مجلة نيوز ويك الأميركية، واختارتها قناة الجزيرة في نونبر 2006 من ضمن 13 سيدة كرائدة من العالم.

حصلت على العديد من الجوائز والألقاب، أهمها، الجائزة الأولى للوكالة الأمريكية للتعاون الدولي سنة 2011، وفي نفس العام نالت وسام العرش من درجة قائد، ثم، في 2013، وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير. كما قلّدها قداسة البابا فرانسيس (2021) بأرقى توشيح (وسام بيوس التاسع L’Ordre de Pie IX ). وجوائز وألقاب وطنية ودولية كثيرة ورفيعة كجائزة جامعة الدول العربية (2014) والجائزة العربية عن أحسن عمل تنويري، والجائزة الدولية Empedocle من أكاديمية الدراسات المتوسطية (2023)…

رجاء ناجي مكاوي، التي تشغل منصب سفير المغرب لدى الكرسي الرسولي (الفاتيكان)، سلكت مسارا علميا متميزا، ودائما ما كانت في ريادة دفعتها ضمن أغلب المستويات، ولم تثنها أدوار الزوجية والأمومة عن ممارسة البحث العلمي، ولطالما نُعِتت بالمرأة “ذات العزيمة والقوة”.