تعود علاقة المغاربة بتقليد تقطير ماء الزهر أو ما يطلق عليه بالعامية المغربية “الما زهر”الذي تُحيا ذكراه خلال فصل الربيع من كل سنة، إلى العصر الوسيط في المغرب (من القرن 6هـ/12م إلى القرن 8هـ/14م)، حيث ارتبط ارتباطاً وثيقا بالمدن السلطانية العتيقة، من قبيل مراكش وفاس ومكناس، قبل أن يُذاع لاحقا في حواضر مغربية أخرى.
ولعل تأثر المغاربة بهذه العادة عائد إلى سببين؛ الأول؛ استقرار الأندلسيين المهاجرين وما حملوه معهم من أنماط حياة مختلفة إلى المغرب، حيث استقبلت الحواضر المغربية، بحكم قربها من أرض الأندلس، عددا كبيرا من الأسر الأندلسية المهاجرة على رأسها طنجة وتطوان وشفشاون وفاس والرباط،والثاني راجع لِما كانت تتزين به ضواحي المدن السلطانية المغربية من بساتين ومروج مليئة بأشجار النارنج التي تعتبر زهورها مكونا رئيسيا في استخلاص ماء الزهر.
ودعما للسبب الأول، يؤكد الخبير المغربي في التراث اللامادي والأنثروبولوجيا، عبد العاطي لحلو، أن المغاربة أخذوا هذا التقليد من الأندلسيين، مبرزا أن الموريسكيين نقلوا هذه الممارسة معهم إلى المدن المغربية التي استقروا بها مثل مراكش وفاس ومكناس وتطوان وتازة، وغيرها من المدن العتيقة.
واشتهرت العديد من الأسر المغربية منذئذ، بعادة تقطير الزهر، فتناقلتها النساء أما عن جدة، بالمنازل وداخل التعاونيات والجمعيات والمعاهد الثقافية كالمتاحف، سبرن أغوار أسرارها جيلا بعد جيل إلى أن أمست عادة متوارثة؛ بل حدثا ثقافيا بارزا يحتفل به سنويا خلال فصل الربيع (مابين 16 و26 مارس).
وهكذا، دأبت النساء المغربيات، وبالأخص المراكشيات، على مراسم تقطير ماء الزهر تمهيدا وترحيبا بفصل الربيع؛ واعتدن الوقوف على طقوس هذه العادة حتى انتهائها، حيث يشرعن في قطف هذه الزهور من أشجار “النارنج” مرافقين عمليتهن بالشدو والزغاريد، والصلاة على الرسول، في جو تسوده القداسة والبهجة، إلى أن يجمعن ما يكفي من الزهر قبل أن يجفف ويكون جاهزا لتقطيره ووضعه في قوارير مخصصة لهذا الشأن.
ونشير إلى أن ماء الزهر يُقطَّرُ من خلال أزهار النارنج، بالاعتماد على “القطارة” وهي وسيلة قديمة مصنوعة من النحاس الأحمر ومكونة من ثلاثة أجزاء (الجزء الأسفل يسمى “الطنجرة”، والجزء الوسط “الكسكاس”، ويُطلق على الجزء الأعلى “قبة القطارة”،ولكل جزء من هاته الأجزاء دور رئيسي في عملية التقطير.
وتعد مراسم تقطير الزهر مناسبة حضارية إنسانية ذات قدرة فعالة لإعادة إنتاج اللحمة الاجتماعية بين الناس داخل الأسر وفي المجتمع وبين أهل المدينة، كما تعد فرصة مواتية لتعزيز الشعور بالانتماء القومي.
فكيف انطلقت فكرة “تقطير الزهر” إلى أن أصبحت اليوم عادة يحتفل بها كل سنة؟
وماذا عن الطريقة التي تمر منها هذه العملية من القطف إلى التقطير؟
وما أهمية تقطير الزهر؟ وما هي استعمالاته؟
للإجابة عن هذه الأسئلة؛