عائشة ندوي… جَرَّاحةٌ بين المبضع والغناء

- Advertisement -

لم تخطر على الذين سبقوا من أهل الطب الجراحي فكرة خطرت على الدكتورة عائشة ندوي، التي تبعث، بصوتها الدافئ وزيها الطبي الأبيض، نوعا من الطمأنينة والارتياح في نفوس المريضات اللواتي تُجري لهنّ عمليات في عيادة “بوردو نورد آكيتاين” جنوب غرب فرنسا.

في مدينة بوردو التي تعد شاهدا على عدة عصور ذهبية في تاريخها، وموطنا لعدد من المعالم المتقنة، ولدت وترعرعت عائشة ندوي التي كانت تدندن في المدرسة وفي المنزل، إلا أنها تقول “لم يأخذني أحد على محمل الجد”. ونظرا لكون والدها وعمها وجدها أطباء، قررت أن تسلك نفس الطريق، لكنّها لم تتخلّ يوما عن الموسيقى.

وبين المبضع والميكروفون، تعيش عائشة ندوي، وهي جراحة نسائية متخصصة في علاج سرطان الثدي والحوض، حياة مزدوجة كطبيبة ومغنية، حيث تقوم بتهدئة مرضاها عن طريق الغناء، ولعل المرة الأولى غنت فيها كانت بغرفة العمليات وكانت حينها طبيبة متدربة، فيما كانت المريضة في غاية الاضطراب والتوتر فهدأتها فورا، الأمر الذي مهد لطبيب التخدير تنويمها بكل سلاسة.

وتقول الطبيبة الجراحة، في هذا الصدد،”في المرة الأولى التي غنيت فيها في غرفة العمليات، كنت متدربة. هدأت المريضة، التي كانت شديدة الانفعال والتوتر، على الفور وتمكن طبيب التخدير من جعلها تنام، ومنذ ذلك الحين، جعلت الغناء إحدى أدوات عملي”.

وتضيف الجراحة ذات الرابعة والثلاثين ربيعا “لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة، لا أستطيع أن أصدق ذلك”، مضيفة أن زملاءها وصفوها في بداية الأمر باللطيفة جدا، لكنهم رفضوا غناءها داخل العيادة قائلين “إذا أرادت الغناء فلتخرج”، قبل أن يدركوا أنها كانت تقوم بعملها على نحو جيد، وأن ذلك ليس فولكلورا، بل له غرض علاجي.

ويصدح صوت عائشة في غرفة العمليات وهي تؤدي أغنية “آي هاف ناثينغ” لويتني هيوستن، فيما تضع الطبيبة يدها على بطن مريضتها، وفي نهاية هذا الوقت المستقطع الغنائي، يكون طبيب التخدير أنجز مهمته.

وتفيد الطبيبة الجراحة بأن “عددا متزايدا من النساء” يرغبن في أن تتولى هي إجراء عمليات جراحية لهنّ. وتقول “أعتقد أن ما يؤثر فيهنّ، إضافة إلى صوت الغناء، هو أن من الممكن في العالم الطبي شديد التعقيم إيجاد ثلاث دقائق لتهدئتهن وتقديم الأفضل لهن”.

هذا الرابط الاستثنائي والخاص الذي يجمع بين الطبية ومرضاها، ظل محصورا داخل جدران المستشفى لمدة طويلة، إلى أن أقدم، فيليب كرويت، المدير العام لمجموعة “جي.بي.أن.آي سانتيه”، التي تضم عيادة “بوردو نورد” حيث تعمل، بنشر مقطع فيديو وأعيد نشر المقطع الآلاف من المرات عبر الإنترنت.

وحول انتشار الفيديو المصور، يشير  فيليب كرويت إلى أن المقطع لقي انتشارا واسعا في مختلف أنحاء العالم في غضون أيام قليلة”.

ويضيف “في ظل ظروف تبدو فيها المهن الصحية اليوم صعبة، أعتقد أن هذا المشهد المصوّر عبّر عن قدر كبير من الأمل والمزاج الجيد”.

وفي شهادة إحدى مريضاتها، ألين غران مورسيل، التي خضعت لعملية استئصال الثدي، تقول إن هذه التجربة مع الطبيبة عائشة بأنها “لحظة خير”.

وعند روايته الوقائع الدقائق التي سبقت العملية، تقول مورسيل “كنت أبكي لأنني كنت على وشك أن أفقد ثديي. أمسكت الدكتورة ندوي بيدي ونظرت في عينيّ وراحت تغنّي.. فشعرت بأنني انتقلت إلى مكان آخر، بهدوء تام”. وتقول عنها “إنها جرّاحة ممتازة ومغنية رائعة، ولكن قبل كل شيء هي امرأة تتمتع برحمة كبيرة”.

من جهة أخرى، يؤكد الممرض، لوييك مانويل، الذي يتولى مهمة المدير الفني لفرقة “ليسوانيونت” Les Soignantes أن الدكتورة عائشة، حتى لو كانت مرهقة أو متأخرة عن الجدول الزمني، تخصص دائما الوقت للغناء لأنها ترى أن كل مريضة مميزة.

وعندما شكّل الفرقة، اكتشف مانويل أن المئات من مقدمي الرعاية يقولون إنهم لا يجرؤون على الغناء لمرضاهم، خوفا من ردود فعل رؤسائهم.

وبلغت الفرقة الثلاثية التي تنتمي إليها عائشة، إلى الدور نصف النهائي من برنامج المواهب “La France a un incroyable talent” وتحلم بالفوز بهذه المسابقة التلفزيونية في الثاني والعشرين من دجنبر.

ومن المرتقب أن تصدر الدكتورة عائشة ندوي ألبومها الأول، بشراكة مع زميلتين لها، حيث سيخصص ريع مبيعات هذا الألبوم لتمويل مشاريع من أجل راحة المرضى ومقدمي الرعاية.