الكشف المبكر هو سلاحك الأقوى. والأمل هو أعظم دواء.
لم أكن أتوقع أن تلك الرحلة البسيطة، التي انطلقت فيها مع قافلة لتوزيع الأدوية في المناطق النائية، ستكون نقطة تحول في حياتي.
كان ذلك منذ عامين ونصف تقريبًا. بينما كنت منهمكة في مساعدة الآخرين، لم أكن أعلم أنني سأصبح أنا من يحتاج إلى المساعدة قريبًا.
وبينما كنت أتفحص جسدي بلا اكتراث، شعرت فجأة بوجود ورم صغير تحت أصابعي، كأنه رسالة غامضة من جسدي تخبرني بأن شيئًا غير مألوف يحدث.
في البداية، تجاهلت الأمر. “ربما مجرد توتر”، قلت لنفسي. لكن ذلك الورم لم يختفِ. قلق خفيف بدأ يتسلل إلى قلبي.
قررت استشارة طبيب القافلة، الذي اقترح عليّ زيارة طبيبة مختصة. لم أكن أعرف أنني بذلك الخطوة كنت على وشك الانطلاق في رحلة طويلة من المواجهة مع السرطان.
ذهبت إلى طبيبة نساء في طنجة. فحصتني بسرعة وأكدت لي بابتسامة مريحة: “لا تقلقي، مجرد توتر”. لكنّ شيئًا في داخلي كان يصرخ: “لا! هناك خطب ما!”. ومع ذلك، أخذت الدواء الذي وصفته لي، على أمل أن يختفي ذلك الورم العنيد.
لكن الورم لم يختفِ. بل بدا وكأنه يكبر ببطء، يتحدى كل شعور بالراحة كنت أحاول أن أتمسك به. كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مواجهة الحقيقة، والبحث عن إجابة حقيقية لما يحدث داخل جسدي. زرت طبيبة نساء أخرى طلبت مني إجراء “ماموغرافي”. وهنا، بدأت القصة تأخذ منعطفًا غير متوقع.
نتائج الفحص جاءت بشكوك مرعبة: هناك احتمال أن يكون الورم سرطانًا. كلمة “سرطان” تدفقت في رأسي كالعاصفة. كل ما كنت أعتقده عن الحياة بدا وكأنه يتلاشى. لم يكن لدي أي تاريخ مرضي، ولم أكن أعرف المرض عن قرب، لكن فجأة أصبح هو الحقيقة الوحيدة في حياتي.
بقيت في حيرة بين أطباء يعطونني خيارات صعبة. هل أبدأ بالعلاج الكيميائي؟ أم أستأصل الثدي؟ كان عقلي مشوشًا وقلبي مضطربًا. رأيت ثلاثة أطباء، وكل واحد منهم كان له رأي مختلف. شعرت أنني أسير في نفق طويل ومظلم، لا أرى فيه نهاية واضحة.
ثم جاء القرار الكبير: السفر إلى الرباط للحصول على رأي آخر. كانت الرحلة مليئة بالترقب، ولكنني شعرت ببصيص من الأمل هناك. عندما قابلت طبيبًا مختصًا في المستشفى العسكري، أكد لي أن التشخيص صحيح: سرطان في المرحلة الثانية. والأكثر من ذلك، أن حجم الورم كان أكبر مما توقعت. شعرت بالخوف، ولكن في الوقت نفسه، كنت مصممة على المواجهة.
عندما أخبرني الطبيب بأن عليّ استئصال الثدي، شعرت بأنني على وشك خسارة جزء مني. لكن في اللحظة التي قررت فيها المضي قدمًا، تغير كل شيء. أصبح الورم وكأنه عدو في جسدي يجب إزالته.
خضعت للعملية، وكان الخوف يعصف بي طوال الوقت. هل سأخرج من هذه المعركة منتصرة؟ وهل سيكون هناك أمل بعد ذلك؟ لكن مع كل خطوة خطوتها، بدأت أستعيد القوة التي ظننت أنني فقدتها. عندما استيقظت بعد العملية، شعرت وكأنني قد أزلت عبئًا كبيرًا، وكأن العدو قد رحل أخيرًا.
العناية الطبية كانت أكثر مما توقعت، والجراح الذي قام بالعملية كان يتحدث بثقة أعطتني الأمل. بعد العملية، جاءت النتائج لتؤكد أن العقد اللمفاوية لم تكن مصابة، وأن السرطان لم ينتشر. كان ذلك أشبه بضوء في نهاية النفق. لكن المعركة لم تنتهِ بعد.
عندما عدت إلى طنجة، وأنا أستعد لمرحلة جديدة من العلاج، طلب مني الطبيب أن أخضع للعلاج الهرموني كجزء من خطة العلاج لضمان عدم عودة السرطان. لكنني، وبسبب شعوري بأنني شفيت بعد العملية تمامًا، اخترت عدم الالتزام بنصيحة الطبيب. تأثرت بالعديد من الفيديوهات على يوتيوب، التي كانت تنصح بأن اتباع حمية غذائية يمكن أن يؤدي إلى الشفاء.
كنت أتابع الفحوصات بانتظام، وكانت نتائجها مطمئنة، ولكنني لم ألتزم بالعلاج الهرموني، وهذا كان خطأً كبيرًا. كان ذلك السبب في عودة المرض مرة أخرى، وبقوة.
بعد عام، وبينما كنت أعتقد أنني على طريق الشفاء، ظهرت خلايا جديدة في فحوصاتي. شعرت بأنني عدت إلى نقطة البداية.
ومع ذلك، قررت ألا أستسلم. خضعت للتحاليل، فحوصات مدققة، petscan، وجلسات العلاج بالأشعة، والعلاج الهرموني. وعدت لمواجهة المرض بقوة أكبر. اليوم، وأنا أستعيد قوتي ببطء، أدرك أن السرطان ليس مجرد معركة جسدية، بل هو معركة نفسية وروحية.
رسالتي لكل امرأة: لا تتركي جسدك يخبرك بما يحدث دون أن تستجيبي. الكشف المبكر هو سلاحك الأقوى. ولا تنسي أن الأمل هو أعظم دواء.
بعد هذه التجربة القاسية، تغيّرت نظرتي للحياة بشكل جذري. أصبحت أستمتع بكل دقيقة، وأستغل كل لحظة لأعيشها بسلام. أبعد نفسي عن المشاكل وعن كل ما يعكر صفو حياتي. تعلمت أن أقدر قيمة كل لحظة، وأعيش بسلام داخلي. كما أدركت أن اتباع حمية غذائية صحية وممارسة التمارين الرياضية أمران في غاية الأهمية لمواجهة هذا المرض والتعافي منه. النشاط البدني والنظام الغذائي السليم هما من أسس الوقاية والعلاج.
لا يسعني في نهاية رحلتي هذه إلا أن أتوجه بالشكر إلى عائلتي وأصدقائي المقربين، الذين كانوا سندي الحقيقي ودعمي المستمر في كل لحظة.
شكرًا لعائلتي وأصدقائي على حبهم وصبرهم، وعلى وجودهم بجانبي طوال هذه الرحلة. والشكر موصول لكل الأطباء على مجهوداتهم الجبارة، ولمؤسسة الضمان الاجتماعي على السرعة في معالجة الملفات. ودعواتكم لي بالشفاء.