وأنت تقوم بجولتك في وسط البلد بالقاهرة، تحديدا بالشارع المتفرع من شارع قصر النيل، يشد انتباهك صالون ذو طابع قديم، يكسر هذا الطابع واجهته الحديثة التي تحيطه به من مقاهي ومطاعم ومحلات ألبسة.
“لوسي”، لافتة كبيرة، وتحتها عبارة “بيديكير ومانيكير” بالفرنسية، هذا هو أول ما يشدك لهذا الصالون الصغير الذي ينطق تاريخا، حيث يعد أقدم صالون للعناية بالأظافر في مصر، ويعود افتتاحه لسنة 1960. يتميز بتفاصيله التي لم تتغير إلى الآن، من مرايا ومعدات العناية بالأظافر والمغاسل، إلى الأثاث والديكورات وصور المشاهير المعلقة.
أبت صاحبة المحل “لوسي” ذات ال88 عاما أن تغير من الصالون شيئا، هي التي افتتحته بحب وشغف، وزاولت المهنة عن موهبة وعشق كبيرين، احتفظت بتفاصيل محلها لأنها تريده أن يبقى مميزا بتفاصيله وحكاياه وزبائنه.
نجيب محفوظ، فاتن حمامة، نجاة الصغيرة وآخرون…
ما يميز صالون لوسي الأسطوري ليس فقط قدمه وديكوره وأثاثه، بل حتى رواده، حيث اكتسب الصالون ثقة كبار المشاهير من مختلف المجالات، وارتاده العديد من النخبة الثقافية المصرية، كالأديب نجيب محفوظ، الذي تعلق لوسي صورة خاصة له في الصالون. وعرف الأديب بارتياده للصالون بشكل منتظم، ما جعل العديد من قرائه يتجمهرون حول المكان يوم قدومه من أجل الحصول على توقيعه، بل إن صحفيين ومصورين مصريين وعرباً وأجانب كانوا يعرفون موعده الأسبوعي ويصطفون بالخارج في انتظار السماح لهم بالدخول للحصول على تعليق أو مقابلة صحفية أو صورة للكاتب الكبير.
حضور هرم من أهرامات الأدب إلى الصالون كان يضيف طابع الرقي إلى المكان، وهذا ما جعل دائرة مرتاديه تكبر. فقد عرف الصالون ارتياد زبونات كثيرات من الوسط الفني، حيث كانت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من الزبونات المنتظمات والدقيقات في مواعيدها. كما ارتادت الصالون الفنانة داليدا، ونجاة الصغيرة، وشادية، وزهرة العلا، ومديحة يسري، وأخريات.
أما عن الفنانين الرجال فقد كان من الزبناء الدائمين للصالون الفنان عمر الشريف، وفؤاد المهندس، ورشدي أباظة، وعبد المنعم إبراهيم، وسمير صبري.
هذا الكم من المشاهير أكسب الصالون شهرة واسعة، وتحوّل من مجرد صالون للعناية بالأظافر إلى صالون يضم بين ثناياه عددا من الحكايات والقصص، ومعلما تاريخيا يروي حقبة من تاريخ مصر الأدبي والفني.
طاقم عمل سبعيني وعمل تقليدي
ما يضفي خاصية التميز لصالون لوسي، هو طاقم عملها، حيث يشتغل إلى جانبها خمسة أشخاص، جميعهم في السبعينات من العمر، ملتزمين بطابع المحل الذي يقوم الاعتماد على التقنيات التقليدية، من استخدام طلاء أظافر عادي إلى مزيلات قائمة على مواد مثل الأسيتون.
جدير بالذكر أن السيدة لوسي هي سيدة من أصول أرمنية، ولدت وترعرعت في مصر منذ 1936. وابتدأت العمل في مجال العناية بالأظافر منذ سن ال15 سنة، قبل أن تتطور وتكسب سمعة جيدة في مجالها مكنتها من فتح صالونها الخاص، الذي أصبح “ماركة مسجلة باسمها”، متجاوزا بذلك أكثر ما هو عناية وتجميل، إلى ذاكرة بصرية لشوارع مصر وحقبة من الجمال المصري الفني والأدبي.
فرح – وكالات