في كتاب جديد صدر عن دار الملتقى بعنوان “رسائل إلى الفقيه البصري والأستاذ مبارك بودرقة وأجوبة خناتة بنونة على رسائل عبد القادر الشاوي حين اعتقاله”، تُكشف لأول مرة مجموعة من الرسائل المهمة التي أرسلتها الأديبة خناتة بنونة إلى عدد من الشخصيات البارزة في فترة “سنوات الرصاص”.
الكتاب الذي تم تقديمه من قبل الباحث والفاعل السياسي عبد الصمد بلكبير، يسلط الضوء على فترة حساسة من تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي، ويكشف العديد من الخيوط التي ربطت خناتة بنونة بالمعارضين للنظام آنذاك.
رسائل الأديبة خناتة بنونة: لمحة عن مرحلة تاريخية
تقول خناتة بنونة عن هذه الرسائل: “تؤرخ بشكل من الأشكال لبعض جوانب المرحلة التاريخية دون حسابات الربح والخسارة كما عند المؤرخين الرسميين”.
وتتناول هذه الرسائل جوانب مختلفة من الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وتكشف عن الروابط التي أقامتها الأديبة مع شخصيات من مختلف التيارات السياسية، وخاصة تلك التي وقفت ضد السلطة خلال فترة القمع السياسي في “سنوات الرصاص”.
وعلى الرغم من قرب خناتة بنونة من تيار حزب الاستقلال بقيادة علال الفاسي، إلا أنها كانت في الوقت نفسه في تفاعل مع شخصيات من أقصى اليسار، مما يعكس تعقيد مواقفها وتعدد أبعاد شخصيتها.
موقف خناتة بنونة من السياسة والمجتمع
وكانت خناتة بنونة، التي تعتبر من أبرز الشخصيات النسائية في المغرب، دائمًا من أنصار الملكية الدستورية، التي تعتبرها صمام أمان للوحدة الوطنية.
وفي أحد مقاطع الكتاب، تقول: “الملكية هي ما تجمع فسيفساء المجتمع المغربي”، مؤكدةً على أهمية دور الملكية في توحيد الشعب المغربي وتحقيق استقراره.
وتوضح كذلك أن العديد من مواقفها السياسية كانت تستند إلى القيم الوطنية والبناء الفكري والاقتصادي للمجتمع المغربي.
كفاح خناتة بنونة ضد الضغوط المجتمعية والسياسية
ويبرز الكتاب أيضًا الضغوطات التي تعرضت لها خناتة بنونة سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، لا سيما مع محاولة جزء من أسرتها تزويجها قسرًا.
ومع ذلك، استطاعت الأديبة تحدي هذه القيود، لتصبح واحدة من الأوائل اللائي أسسن الكتابة الأدبية الحديثة في المغرب بصيغة المؤنث باللغة العربية.
كما يسلط الضوء على التحديات السياسية والاجتماعية التي واجهتها بسبب مواقفها وآرائها السياسية، وكذلك الصعوبات التي عاشتها نتيجة بعض الخيانات من المقربين إليها.
شخصية خناتة بنونة رمز للوحدة الوطنية
وبحسب مقدم الكتاب عبد الصمد بلكبير، تعتبر خناتة بنونة “رمزًا جامعًا وموحدًا للمجتمع والدولة والوطن”.
فقد تميزت شخصيتها بتعدد الأبعاد، حيث كانت أستاذة، مناضلة حزبية، وقائدة نسائية، بالإضافة إلى دورها كمؤسسة صحافية وكاتبة.
وقد لاقت إسهاماتها الصحافية اعترافًا واسعًا في المغرب والعالم العربي، حيث ساهمت في تأسيس أول صحيفة غير متخصصة توعية المرأة والأسرة، وربطت بين التحرر النسائي والنضال الوطني والديمقراطي.
خناتة بنونة ككاتبة ورائدة في الأدب
أحد الجوانب البارزة في كتاب خناتة بنونة هو تسليط الضوء على إسهاماتها ككاتبة قصصية وروائية.
وتُعد خناتة بنونة واحدة من الأسماء المؤسسة لفن الرواية والقصة القصيرة في المغرب، وخاصة في الأدب النسائي العربي. بحسب الكتاب، تميزت كتاباتها بتناول الواقع السياسي والاجتماعي، وكانت دائمًا ما تسعى إلى استخدام الأدب كأداة للإصلاح الاجتماعي والسياسي، وتهدف من خلاله إلى إضاءة جوانب من الحياة المغربية وإحداث تغييرات إيجابية.
خناتة بنونة ورؤية للمستقبل
ويختتم الكتاب بتأكيد على أن خناتة بنونة كانت دائمًا تدافع عن فكرة التغيير والتحول الاجتماعي بشكل شامل، وهي رؤية لا تقتصر على المرأة فقط بل تشمل المجتمع ككل.
وتعتبر الكتابات التي قدمتها بنونة إرثًا لا يُستهان به في تاريخ الأدب والسياسة في المغرب.
