في مساء التاسع من رمضان المبارك، بينما كانت الأضواء خافتة والقلوب مشغولة في العبادة، كانت الطفلة جيداء – التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها – تلهو في سعادة بريئة، تلعب مع أقرانها في أزقة قرية سيدي الطيبي الواقعة بين مدينتي سلا والقنيطرة.
لم يكن في قلبها سوى البهجة، ولم يكن في عقلها سوى أحلام صغيرة تشبهها، فكل ما كانت تأمله هو أن تقضي وقتًا ممتعا في اللعب قبل أن تعود للنوم في أحضان والديها.
في تلك الليلة، بينما كانت والدتها تؤدي صلاة التراويح في المسجد القريب، اختفت الطفلة في لحظة غامضة، كما تختفي خيوط الشمس في الأفق.
لا أحد لاحظ غيابها، ولا أحد أدرك أن تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تنثر الفرح في كل زاوية، قد اختفت في لحظة غدر لم تكن لتحلم بها.
بدأت الأسرة تبحث عنها بكل الوسائل، ولكن الخوف كان يزداد كلما مر الوقت. كل شيء أصبح ضبابًا، حتى لحظة الإعلان عن العثور عليها كانت مريرة ومؤلمة.
“لقد وجدناها!” هكذا تم الإعلان عن خبر اكتشاف جثتها، ولكن “العثور عليها” كان صدمة أكبر من أن يتصورها العقل. جثتها الهامدة، ملقاة في شاحنة لجمع النفايات، كانت شاهدة على مأساة لم يكن أحد ليصدقها.
الطفلة جيداء التي لا تزال دماؤها دافئة، تم اغتصابها وقتلها بكل وحشية، على يد من كان من المفترض أن يكون أكثر الناس حرصًا عليها: عمها، الذي لم يتجاوز الستة عشر عامًا.
كيف يمكن لعقل أن يتصور أن هذه الجريمة البشعة قد تحدث في قلب أسرة، ومن أقرب الناس إليها!
لكن الجريمة لا تكتمل دون سبب. وقد بدأ التحقيق ليكشف عن تفاصيل أفظع. لقد اغتصبها، ثم خنقها. وبعد ذلك، تركها في مكان لا يليق بالأرواح الطاهرة.
هل كان هو العدو الذي كان من المفترض أن يكون حاميًا لها؟ هل تسلل الشيطان إلى قلبه وجعل منه آلة قتل بلا رحمة؟
وبين حرقة الألم الذي غمر قلوب من يعرفها ومن لا يعرفها، بدأ الناس بالتساؤل: ماذا لو كانت الرقابة أكثر؟ ماذا لو كانت الحماية أكبر؟ ماذا لو كانت الأسرة قد انتبهت أكثر؟ ماذا لو كان المجتمع قد قام بدوره بشكل أفضل؟ ماذا لو، وماذا لو…لما كانت الطفلة جيداء قد وقعت ضحية لهذا الفعل الوحشي الشنيع.
لكن الألم لا يتوقف عند هذه اللحظة، ولا يمكن أن تظل تلك الحكاية مجرد خبر عابر في صفحة من صفحات الجرائد، بل يجب أن تظل ذكرى هذه الطفلة، وألم فقدانها، دافعًا لنا جميعًا للتفكير مليًا في مسؤوليتنا؛ مسؤولية المجتمع، الأسرة، والجهات الأمنية في حماية الأطفال، وتوفير البيئة الآمنة لهم بعيدًا عن أي خطر.
إنّ كل طفل هو أمانة في أعناقنا، وكل طفل هو حلم وأمل للمستقبل. وإذا فشلنا في حمايتهم، فإننا نفشل في الحفاظ على مستقبلنا جميعًا.