الاخصائية نجاة اوغزة/ حينما نفتح أيدينا للعالم يستقبلنا بالترحيب

- Advertisement -

نجاة اوغزة

أخصائية ومعالجة نفسية مغربية

فرنسا

حينما نفتح أيدينا للعالم فإنه يستقبلنا بالترحيب وحينما نتقبل الآخر فإنه يعاملنا بالمثل

حوار التحرير

نجاة أوغزة، شابة مغربية وهي أخصائية نفسية ومعالجة، اختارت أن تستقر بفرنسا بعد إتمام دراستها هناك، واستطاعت أن تتميز في عملها ليتم اختيارها كأخصائية نفسية مؤطرة في احد أهم مراكز إعادة الإدماج المهني، ثم فتحت بعد ذلك عيادتها الخاصة.

 نجاة شابة طموحة، ترى أن الاندماج في وطن ما يبدأ بتقبل مواطني ذلك الموطن وتقبل عاداتهم ولذلك هي تساعد غيرها على محاولة الاندماج داخل مجتمع جديد

نجاة اوغزة أهلا بك عبر صفحات مجلة فرح

لمن لا يعرفك كثيرا حدثينا عن مسارك ومن هي نجاة الإنسانة ونجاة الأخصائية؟

نجاة، شابة مغربية تقطن فرنسا ومهنيا أنا أخصائية نفسية ومعالجة، بعد حصولي على الماجستير في علم النفس الإكلينيكي من المدرسة العليا لعلم النفس بالدار البيضاء، عملت كأخصائية نفسية في الرابطة المغربية لحماية الطفولة في مراكش، لمدة سنة، اشتغلت فيها مع فريق متعدد التخصصات يقوم بعمل رائع مع أطفال الرابطة، بعد هذا، أردت أن أتابع التكوين في علم النفس العلاجي في فرنسا، كنت بحاجة إلى بعض التأمل في حياتي لأنه قبل مغادرتي المغرب واجهت لحظات صعبة للغاية، ونصحني محلل نفسي صديق باكتشاف آفاق جديدة لأتنفس من جديد وأجد متسعا لنفسي، (واشكره من هذا المنبر فقد ساعدني كثيرا في هاته المرحلة من حياتي). انتقلت إلى تولوز، لأتدرب على علم النفس العلاجي وخلال سنوات التكوين، التقيت بزوجي، وهو ما جعلني أقرر البقاء في فرنسا بقرب زوجي والعمل هناك وأيضا قمت حينها بدراسة علم “الوصول إلى الوعي”  access consciousness واشتغلت في مركز إعادة الادماج المهني قبل أن افتح عيادتي الخاصة، وبالنسبة لي طالما مازلت نشيطة فبإمكاني أن ادرس أكثر وأتعلم أكثر ولذلك لا اعتقد أني سأتوقف عند هذا الحد من العلم وسأتمم مسيرتي فيه.

لماذا اختيار فرنسا للاستقرار والعمل؟

لا يمكنني أن أخبرك بالضبط لماذا فرنسا، ربما اخترتها لقربها من المغرب آو لأننا نتحدث اللغة الفرنسية أو لان إجراءاتها الإدارية سهلة مقارنة مع بقية الدول، ولكن صراحة لم يجل بخاطري هذا السؤال، كان اختيارا تلقائيا وطبيعيا ولىنه لا شيء يأتي صدفة في الحياة، فربما لكي التقي زوجي الحالي، وفرنسا بلد لطالما أسرني وجذبني إليه على جميع المستويات، تاريخها، مناظرها الطبيعية، طبخها والعقلية المنفتحة التي يتميزون بها.

تم اختيارك كأخصائية نفسية مؤطرة في احد أهم مراكز إعادة الإدماج المهني، وأغلبية زواره من المغاربيين، هل كانوا يتجاوبون معك أكثر بحكم قربك من ثقافتهم؟ وما هي أهم المشاكل التي كانت تواجههم وتمنع اندماجهم؟

في الحقيقة كون أصلي مغاربية، لم يساعدني كثيرا، لا تنسي أن الانحدار منى مجتمع أبوي (بطريركي)  يجعلهم عدوانيين قليلاً في مواجهة المرأة، بين أولئك الذين يريدون التحدث باللغة العربية فقط في حين أننا نعمل على مساعدتهم على الاندماج في المجتمع الفرنسي، وهو ما يحتم الحديث بالفرنسية بالأخص أن هناك أشخاص لا يفهمون لهجتنا ولا يتحدثون بها، وبين من يصل إلى التحرش بك ومن يقلل الاحترام ويقومون بحركات تهريجية.

في البداية أسرك، انه أصابني بعض الذهول، ولكن بمساعدة أستاذة رياضيات، كانت تعمل في المركز منذ سنوات وتعرف كيف تؤطر هؤلاء استطعت تجاوز ذلك، ربما رغم مهنتي لم أكن لأتجاوز الأمر لولا مساعدتها، ولكني تعلمت كيف افرض احترامي بشكل لبق ودون المساس بمشاعرهم.

البدايات كانت صعبة بالأخص أن غالبيتهم أشخاص جربوا تجربة السجن من قبل، بعضهم امضي مدة طويلة معتقلا، والبعض قدم لفرنسا حديثا ولم يستطع الاندماج لكونه لا يتحدث الفرنسية وبعضهم مدمن، كلهم كانوا مضطرين للمرور من عدة مراحل في المركز ليتم إعادة إدماجهم في المجتمع وإعادة تأهيلهم للعمل أيضا من خلال التكوين والتدريب، كل هؤلاء غالبا ما يكون مرورهم بالمركز مثمرا ويأتي بنتيجة ايجابية وحينها اشعر بالسرور والفرح وأنا أراهم يحلقون بأجنحتهم من تلقاء أنفسهم واشعر بالفخر أيضا وأنا أرى كل الطريق الذي سلكوه وكل ما تعلموه داخل المركز مع فريق  متميز.

 ماذا كانت تحاول نجاة تقديمه لهم؟

كنت أحاول أن اجعلهم ينظرون للأمور بشكل مختلف، وألا يشعروا بالإهانة حينما ينادى عليهم بالمغاربيين لأنهم غالبا ما يأخذونها على محمل العنصرية، كنت أحاول أن أعلمهم كيف يندمجون عوض التكتل في مجتمعات منعزلة، أحاول أن اخبرهم انه حينما نفتح أيدينا للعالم فانه يستقبلنا بالترحيب وحينما نتقبل الآخر فانه يعاملنا بالمثل، إذا ما احترمنا الآخر، فلا توجد أي ذريعة لكي لا يبادلنا الاحترام ذاته.

قد يبدو في حينها أن ما أقوله أشياء سخيفة ولكن تطبيق هاته الأمور يحدث الفرق ، كنت أيضا أحاول أن اجعلهم أكثر فضولا للمعرفة، فيجب أن يتعرفوا على البلد واللغة والتاريخ لكي يندمجوا بشكل أسهل.

فيما يتعلق بالمعتقلين السابقين، كنت أحاول أن أعلمهم انه لا يمكن الحصول على كل شيء بالعنف وأنهم يتهيئون لفصل جديد في حياتهم وعليهم أن يقوموا بالأشياء بشكل مختلف من اجل اندماج أفضل.

 فتحت عيادة، وتخصصت ب Access Consciousness، هل كان من السهل عليك القيام بذلك هناك، ومن أكثر من يلجأ لخدماتك؟

تقنية الوصول للوعي، لا تلزمنا بفتح مركز لتكوين الأفراد، يمكن أن ننظم التدريب حتى في العيادة، أو لدى الشخص أو اكتراء قاعة وهناك بعض التدريبات يمكن حتى أن نقوم بها في الهواء الطلق بين الطبيعة، نحتاج إلى الطبيعة الأم، نحتاج إلى الاسترخاء في مثل هاته التدريبات، الشعور بالطاقة الموجودة حولنا، نعيش لحظات هدوء وسكينة، في الواقع هاته التخصصات لا تحتاج إلى إطار صارم للغاية.

فيما يتعلق بالعيادة التي قمت بافتتاحها، كان الأمر سهلا بفرنسا، يتم ذلك عبر الانترنيت لتسهيل الإجراءات الإدارية، ليس عليك أن تقضي يوما بكامله لتقطع كيلومترات والوقوف في طابور طويل من اجل الحصول على بعض المعاملات، الجميل هنا في فرنسا أو جميع الدول الغربية تقريبا هو أن كل شيء رقمي ويمكنك أن تجري معاملاتك عبر الانترنيت.

دائما ما يتحدث المهاجرون العاملون في بلد أوربي عن الغربة ومشاكلها فهل أنت ممن تشعرين بنفس الشعور؟

بصراحة العيش في فرنسا ممتع، لا اشعر نهائيا أني خارج وطني، فالكل يعاملك بشكل يجعلك تشعر انك في بلدك، أنا لا اشعر أني غريبة هنا إطلاقا، فحينما نختار العيش في بيئة صحية، نشعر أننا في موطننا وحينما نندمج بشكل جيد ونحترم الفرنسيين يقومون بالمثل لك، الشيء الصعب ربما هو العيش بعيدا عن والداي فانا افتقدهما باستمرار، ولكني اتصل بهما على الأقل ثلاث مرات يوميا وكأني معهم، فانا لا ارغب أن يشعروا بالمسافة التي تفصلنا وبالأخص أني ابنتهم الوحيدة ولذلك أوطد أواصر العلاقات قدر استطاعتي، وحينما يقومان بزيارتي اعمل على أن اجعلهم يزورون هذا البلد ويتعرفون على سكانه وتقاليده، بالأخص أن زوجي فرنسي واعمل أيضا وبالمثل، على أن يكتشف معنا الوجه الجميل لتقاليدنا والجانب الجميل من ديانتنا التي للأسف مهاجرون آخرون يعطون عنها وجها سيئا للغاية.

على ذكر من يعطون نظرة قاتمة عن ديننا ومواطننا، الم يكن لحركة القمصان الصفراء تأثير على عملك؟

حركة السترات الصفراء، هي حركة احتجاجية غير منظمة ظهرت في فرنسا في أكتوبر 2018. هذه الحركة الاجتماعية التلقائية انتشرت أكثر بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت الدعوة للتظاهر ضد زيادة أسعار الوقود الناجمة عن ارتفاع ضريبة الاستهلاك المحلي على منتجات الطاقة، ثم توسعت مطالب الحركة لتشمل المجالين الاجتماعي والسياسي بعد ذلك.

شخصيا، في عملي، لم أشعر بأي تغيير، ولا تداعيات، من ناحية أخرى، لقد كان ما يحدث يعيق حركة النقل في المدينة، فحينما اشتدت المظاهرات لم يعد بإمكاننا حتى الخروج من البيت، حتى لتناول قهوة أو لمطعم مجاور، فالمواجهات مع قوات الأمن كانت كأنها مشهد من الابوكاليبس.

لقد كان ما حدث شعور بالإحباط اتجاه سياسة دولة في المقام الأول وليس ضد دين أو ثقافة معينين أو مجتمع معين، لذلك من هاته الناحية لم نعاني كثيرا.

نجاة إنسانة بسيطة واهم هدية لديها كما علمنا كانت كلبة صغيرة أحبتها من أول نظرة “ليلي” التي ترافقك أحيانا حتى في عملك … ما هي رمزية الهدية لديك؟

حينما نحب نفهم من نحبه من نظرة، ونفهم ما يحتاجه، “ليلي” وهي كلبة شيواوا صغيرة، كانت هدية من زوجي  “ادوارد” وكان يوم احد من سنة 2015، ونحن نتمشى قرب احد المحلات الخاصة بالحيوانات ولوازمها، عشقت ومن أول نظرة كائنا صغيرا ينظر لي من خلف الزجاج العارض، حب من أول نظرة، وبالغد فوجئت وبعد عودة زوجي من العمل وبدون أن يخبرني بإحضارها لي كمفاجأة، دخل وتركها عند الباب وذهب ليستحم، وحينما استيقظت وأنا أتساءل لماذا لم يأت لتحيتي كما المعتاد، وجدت نفسي وجها لوجه أمام “ليلي” بنظرتها الجميلة في سلتها الأولى، كنت سأطير من الفرح، كانت مفاجأة رائعة وهدية لا تقدر بثمن، كل الهدايا بالنسبة لي مهما علا ثمنها لم تكن لتساوي ما شعرته من حب اتجاه هذا المخلوق الصغير الذي أضفى على حياتي سعادة كبيرة.

يقولون زواج مغربية من أجنبي يقال انه غالبا ما يبوء بالفشل هل هذا صحيح؟ وكيف يمكن أن ينجح هذا الزواج المختلط؟

لا اعتقد انه هناك حالة عامة في هذا المجال، فليس كل شيء ابيض أو اسود بالكامل، فقبل كل شيء أي زواج حتى بدون اختلاف الدين أو الثقافة أو المكان يمكن أن يكون مصيره الفشل، قرأت مؤخرا أن معدل الطلاق أخذ في الارتفاع في المغرب وليس بالضرورة زواج مختلط. كل حالة زواج هي حالة خاصة ومنفردة، لا استطيع الحديث في مكان الآخرين، ولكن بالنسبة لحالتنا، فالأمر يسير على ما يرام في الوقت الحالي، زوجي منفتح على ثقافتي، متفهم جدا ولديه فضول لمعرفة المزيد عن ثقافتنا، وأنا أيضا افعل مثله، وبالقليل من التواصل والتفتح والاحترام والثقة وبدون فرض الأمور على الطرف الآخر،  فان الأمور لا يمكن إلا أن تسير على ما يرام. هذه برأيي المتواضع مكونات نجاح أي زواج سواء كان مختلطا أم لا، وأنا بصراحة محظوظة بأن التقيت رجلا لطيفا للغاية، مثقف وواعي جدا.

 بماذا تنصحين كأخصائية ومعالجة وكمغربية الطلبة والموظفين الراغبين بتغيير بلدهم للتحصيل العلمي أو المهني؟

على ضوء تجربتي، سأقول لهم أن يستمعوا إلى رغباتهم ولكن أولاً وقبل كل شيء يجب أن يتحروا معرفة سوق العمل، فعادة لسنا حذرين بما يكفي.

بالنسبة لطلبة العلم، سأقول لهم أيضا أن يتقدموا، إنها تجربة رائعة أن تتابع دراستك في فرنسا، فمسيرتك تأخذك بعدا آخر وتدفعك إلى أن تتحمل المسؤولية أكثر، ونحن بحاجة للانفتاح على العالم، سواء في فرنسا أو في مكان آخر.

أعتقد أن التجربة يمكن أن تكون مليئة بالمفاجآت واللقاءات الجميلة وبالأخص انك تصل إلى المعرفة والتعلم بشكل كبير، فرنسا تعج بالمكتبات والمقاهي النفسية والفلسفية والندوات والمؤتمرات والتظاهرات الثقافية. حينما يتوفر لك كل هذا بين يديك فإنها فعلا قمة السعادة.

 كيف تقضي نجاة وقتها بعيدا عن عملها ؟

بين المتاحف والعروض والمسرح والمعارض والسينما والسفر والرياضة والقراءة والمطاعم والأصدقاء والعائلة، هنا لديك دائما شيئا لتقوم به وتشغل به وقتك، حتى إن لم يكن لدي أي برنامج فان فسحة رفقة “ليلي” تعني لي الشيء الكثير، الجلوس على ضفاف نهر الغارون وقراءة كتاب، بعد العمل مساء أقوم بالرياضة في النادي، في نهاية الأسبوع أقوم بما ذكرته من أنشطة وأحيانا نسافر لمدينة أخرى لاكتشافها.

ما يعجبني هنا، هو سهولة الوصول إلى كل ما نحتاجه، وسهولة السفر لبلد مجاور بسعر بسيط، فيمكنك أن تهرب من انشغالاتك لنهاية أسبوع في بلد آخر مجاور وتستعيد طاقتك لتبدأ من جديد أسبوعك المهني، حينها لن يكون لديك وقت للشعور بالملل.

 هل تذهبين لحفلات وأعراس مغربية وهل تفتقدين هاته الأجواء خاصة في المناسبات؟

لأكون صريحة منذ جئت فرنسا لم احضر أي عرس مغربي هنا ولكني حضرت لأعراس فرنسية أو فرنسية أمريكية، ولكني استمتع بحضور الأعراس المغربية حينما أكون في المغرب، أحب هذا النوع من الأعراس وبالأخص أني لم اكبر في وسط كثير الأعراس ولكن لا افتقدها بشكل خاص، ولكن طقوس المناسبات بلى وحينما اشعر بحاجة ملحة وشوق كبير للمغرب، لا أتوانى على أن استقل أول طائرة والعودة .

بصراحة أكثر شيء افتقده هو المطبخ المغربي، بالأخص أني لست طباخة ماهرة،  اعشق (المسمن) في فطور الصباح وطبق الكسكس يوم الجمعة وبالأخص حينما أرى صوره على الصفحات الاجتماعية يوم الجمعة من قبل الأصدقاء …

 ما هي كلمتك التي تختمين بها لقاءنا معك؟

الحياة في الخارج ليست أمرا حتميا، قد تكون فرصة وقد تعطيك الكثير من الحظوظ وتمنحك فرصة لتعلم أشياء كثيرة. إذا أحببت أن تعيش بشكل جيد في الخارج، عليك أن تتكيف مع عادات البلد التي أنت فيه، ليست هناك وصفة سحرية، ببساطة هذا ما عليك فعله.

الشعور انك في بيتك في بلد آخر هو مسألة سلوك، لدي جذور جديدة وهي أيضا صلبة كما جذوري الأصل.

زوجي، ليلي، عائلة جميلة، أصدقاء وحياة، لا ينقصني سوى شخصين لتكتمل السعادة ولو أننا تقريبا معا جميعنا بفضل التواصل.

أشكرك بشرى على استضافني واشكر مجلة فرح وأتمنى أن أكون ضيفة خفيفة ظل على القراء.