أمازيغيات المغرب.. حكاية عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي مع نساجات الجبال

- Advertisement -

تقف زهرة مندهشة دقائق طويلة وهي تتأمل خطوط وألوان الزرابي التقليدية لمنطقة تازْناختْ الجبلية في معرض بمدينة مراكش.

تنقل بصرها إلى صورة عالمة الاجتماع المرموقة الراحلة فاطمة المرنيسي وهي تقبل يد نسَّاجة، وتقرأ على اللوحة المصاحبة لإحدى الزرابي “الراحلتان للا إيجّة وللا فاطمة في لحظة عميقة من المشاركة”.

تشعر زهرة أنها إيجة وأنها فاطمة، وأن تلك الزرابي التي نسجتها أنامل نساء أمازيغيات في الجنوب المغربي تعبير أيضا عن كينونتها كامرأة تحاكي ذاتها.

وتقول هذه الشابة وهي أيضا فنانة تهتم بإبداعات المرأة المغربية للجزيرة نت “لا يمكن أن تقفي محايدة أمام لوحة فنية مثل هذه، زرابي تازناخت تعج بروح الطبيعة وبالإنسان”.

نساء ينسجن الزرابي
26 قطعة فنية فريدة هي ما استطاعت شبكة الصانعات التقليديات تجميعها في معرض للزرابي التقليدية بمقرها المسمى “دار لْمْعْلّْمَة” بالمدينة الحمراء.

ويستمد معرض زرابي تازناخت من المجموعة الخاصة لفاطمة المرنيسي قوته من خيال قرويات نسجن الزرابي وفقا لإلهامهن.

الشابة زهرة، واحدة من كثيرات وكثيرين، استطاع المعرض أن يقرب لهن ولهم إبداعات نسَّاجات كما تقول فوزية طالوت المكناسي رئيسة الشبكة التي تضم حوالي ثلاثة آلاف صانعة تقليدية في كل مناطق المغرب.

المرنيسي تلهم النساء
نشأت فكرة المعرض عند المكناسي أثناء التحضير لإقامة حفل تأبيني للراحلة المرنيسي إحدى العلامات المغربية المضيئة في سماء الرواية النسائية والدفاع عن حقوق المرأة، تستضيف خلاله نساء التقينها في أعالي الجبال، ليروين شهادتهن في حق امرأة استثنائية أخرجت نساء مبدعات منعزلات في قراهن البعيدة من الظل إلى دائرة الضوء.

وتبرز المكناسي للجزيرة نت أنها وقفت على وجود أكثر من مئتي زربية فريدة من نوعها نسجتها نساء جنوب المغرب وجمعتها المرنيسي خلال زياراتها لهن.

“لم يكن ذلك التجميع مجرد هواية فقط عند أول عالمة اجتماع في المغرب المعاصر، إنما يتعلق الأمر بالاقتراب أكثر من نساجات منعزلات في قراهن، لكنهن مبدعات ينسجن بكثير من الحبكة والإبداع” تضيف المكناسي بكثير من الإعجاب بفاطمة والنساجات.

زربية مفعمة بالحياة
تقرأ على إحدى زرابي المجموعة المعروضة عبارة “تودة أوحدوس نسجت هذه الزربية قبل خمسين سنة خلال الاستعداد لزواجها”. تتأمل زهرة الزربية فتجدها مفعمة بالحياة بالرغم من استعمال ألوان وأشكال بسيطة.

تعود الزربية للسيدة الراحلة تودة، ابنتها صفية أو “للامينة” كما تعرف في دوار سيدي لْحْساين بتازناخت، وهي أيضا نساجة، أدهشت الحضور خلال حفل تأبين المرنيسي.

لم تكن مجرد امرأة جاءت لتقدم شهادة عابرة، بل فنانة عبرت عن أحاسيس جميلة وعمق في التفكير، كيف لا وهي التي كانت تسمع من والدتها القصص والروايات تحكيها لصغار القرية.

نسج الزرابي أيقظ حب الإبداع
تقول للامينة بلغة عربية ممزوجة بلكنة أمازيغية واضحة “لم تكن المرنيسي امرأة عادية، كانت شعلتنا في هذه الحياة، فبفضلها أنشئ مركز لإنعاش الزربية بتازناخت وأوصلتنا به إلى العالمية”.

وتضيف للجزيرة نت “الامتنان متبادل بين فاطمة ونساء تازناخت، تشاركهن لشغف نسج الزرابي، أيقظ فينا حب الإبداع”. اعلان

تصف للامينة زربية تازناخت بالمميزة، رسومها الهندسية عفوية وألوانها فطرية، وفيها كانت تنقل رسائل بين الأم والبنت المتزوجة حديثا، حيث تتبادلان الأخبار من خلال الألوان والخطوط حيث كانت العادات تمنع لقاءهما في أول سنة زواج.

نسيج فاطمة ونساجات الجبال
ليست الشابة زهرة وحدها الزائرة الدائمة لمعرض “دار لمعلمة” من انبهرت بجمال زرابي تازناخت. فكريمة أوحساين رئيس شبكة الحرفيات بالجزائر واحدة من هؤلاء المهتمات والتي قدمت من بلد شقيق لزيارة المعرض في إطار تبادل خبرات ومعارف.

هذه الحقوقية التي صادفتها الجزيرة نت في معرض مراكش تقول إن المرنيسي تشبه نساء جنوب المغرب في كل شيء، فهي عفوية مرهفة الإحساس، مبدعة.

وتضيف “عندما تكتب فاطمة رواياتها فهي تنسجها وتحيكها وتطرزها قبل أن تقدمها للقارئ، كما تقوم بذلك نساجات الجبال”.

القوة المستلهمة متبادلة
لم تقبل المرنيسي أن تتسلم سنة 2003 جائزة أمير أوستورياس، وهي بمثابة جائزة نوبل الإسباني من يد الملك فيليب السادس ولي عهد إسبانيا آنذاك، بدون أن تكون تلك النساء القرويات بجانبها.

وتشرح أوحسين للجزيرة نت أنه اعتراف ضمني بأن القوة المستلهمة بين فاطمة وهؤلاء النسوة متبادلة.

بدورها تحكي الدكتورة حليمة مروان بكثير من الاعتراف عن صديقتها المرنيسي التي عرفتها لأكثر من أربعين سنة. تسرد طيبتها ونضالها وأعمالها لصالح المرأة القروية المهمشة، وعملها لكي تجد نساجات الزرابي مكانا من أجل عرض وبيع ما تبدع أناملهن.رحلت فاطمة.. والحلم مستمر
توفيت المرنيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 عن عمر يناهز 75 سنة، وتركت وراءها إرثا جميلا. الجميع هنا يقول إن من بصم في هذه الحياة بصمته لم يمت فهو باق في الذاكرة والوجدان.

 كان لها مشروع كتاب حول مجموعتها الفريدة، عن نشأتها وأسباب وجودها، وهو عمل بدأته أشهرا قليلة قبل وفاتها إلى جانب المكناسي التي تعنى أيضا بالكتابة. هو حلم يراود فوزية بقوة وتعمل لأجل تحقيقه قريبا.

المصدر : الجزيرة