ذكرى سقوط غرناطة.. حكاية أسرة موريسكية مهجرة من الأندلس إلى الرباط

- Advertisement -

مثل جميع الموريسكيين، ركبت عائلة أوليباريس أشرعة التهجير وغادرت وطنها قسرا، لتجد ملاذا آمنا في قصبة الأندلس بالرباط جنوب ضفة واد أبي رقراق.

وبمرور 528 سنة على تسليم غرناطة في 2 يناير/كانون الثاني 1492 ونهاية الحكم الإسلامي في الأندلس، يستذكر الحفيد محمد نجيب لوباريس سيرة أسرته ورحيلها القاسي، وتمتزج مع الذكرى الأليمة مشاعر الاعتزاز والفخر بأولئك الأجداد الذي تذكرهم كتب التاريخ برؤساء سفن المجاهدين البحريين.

خلال جولة داخل قصبة الأندلس أو لوداية، مقام المهجّرين بالرباط، يحكي محمد نجيب لوباريس للجزيرة نت مسار هجرات الأسر الأندلسية التي طردت من وطنها في الفترة ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر ولجأت للمغرب، لتعيش الغربة بسبب ارتياب الأهالي منهم لاختلاف هيئاتهم ولغتهم وطعامهم وأيضا تدينهم.

غير أن هذه الأسر ما لبثت مع الزمن أن تأقلمت مع محيطها، وسخرت معارفها ومهاراتها في تعمير الوطن الجديد وحمايته من الأطماع الاستعمارية، وحافظت قدر المستطاع على هويتها ونمط عيشها وعاداتها.

من أوليباريس إلى لوباريس
تشير المراجع المهتمة بتدوين أسماء العائلات المهجرة من الأندلس ومساكنها، إلى أن عائلة أوليباريس حلت بقصبة الأندلس ضمن الأسر الهورناتشوسية المهجرة من بلدة هورناشوس غربي إسبانيا بداية القرن السابع عشر.

وحسب المصادر نفسها فإن آل أوليباريس الأوائل الذين حلوا بالرباط كانوا يعملون في مجال البحرية والعمل العسكري كمعظم الهورناشوسيين وموريسكيي الرباط وسلا، وشاركوا في المعارك الجهادية ضد الأساطيل المسيحية وخاصة الإسبانية، وأيضا في حروب تحرير الموانئ المستعمرة التي أطلقها السلطان المغربي المولى إسماعيل.

وبعد حوالي قرن ونصف القرن من حلول أجداده بالمغرب، يشير محمد نجيب إلى تطور كتابة هذا الاسم العائلي من أوليباريس إلى لوباريس بفعل الاندماج المجتمعي والميل إلى تسهيل نطق الاسم.

الأحفاد يحيون سير الأجداد
بينما الطيور لا تمل من التحليق فوق ضفة واد أبي رقراق، يفتح محمد نجيب لوباريس علبة ذكرياته، ويروي للجزيرة نت كيف كان اسمه العائلي الهجين والمختلف يثير لديه التساؤلات وهو بعد صبي، وكلما اشتد عوده كبرت الأسئلة ومعها وعيه بنمط عيش العائلة وعاداتها الفريدة في المدينة القديمة بالرباط.

وعثر محمد نجيب على أولى الإجابات في كتاب يؤرخ لهجرات الموريسكيين إلى المغرب، هذا الكتاب -كما يقول- ساعده على اكتشاف ذاته وهويته، وتعرف من خلاله على أجداده المهجرين إلى الرباط، ليتابع بحثه في المراجع المغربية والإسبانية ويكتشف المزيد عن أفراد عائلة أوليباريس.

وولد البحث لدى هذا الصيدلاني رغبة في توثيق تاريخ أسرته بأسلوب علم الأنساب، فألف سنة 2016 كتابا عنوانه “من أوليباريس إلى لوباريس.. سيرة أسرة مهجرة من الأندلس إلى الرباط”.

ويتناول فيه الظروف التي أدت إلى تهجير مسلمي الأندلس إلى المغرب وسيرة أسرة أوليباريس وظروف نزوحها إلى الرباط، ومساهمتها في الحياة الاجتماعية والعسكرية في قصبة الأندلس، مع توثيق شجرة العائلة والتعريف بفروعها. اعلان

وفي السنوات الأخيرة، نحا أبناء بعض الأسر الأندلسية بالرباط نحو توثيق تاريخ أجدادهم، وظروف وصولهم واستقرارهم ثم اندماجهم في المغرب، وأيضا الأدوار التي اضطلعوا بها في وطنهم الجديد.

ونشر الكولونيل الراحل محمد بركاش سيرة أسرته الأندلسية في كتاب بعنوان “أسرة في قلب التاريخ”، بينما عرض الحاج إدريس بن عبد السلام فرشادو تاريخ العائلة في كتابه “نبذة عن حياة بعض أفراد عائلة فرشادو الأندلسية الرباطية”.

الحفاظ على الثقافة
كانت رباط الفتح (الرباط حاليا) موقعا مهجورا حين وصل إليه الهورناشوسيون والأندلسيون، فأعادوا إحياءه وإعماره.

ومع نقل عاصمة المملكة إلى الرباط في القرن العشرين، أصبحت مقصد المغاربة من مختلف المناطق والأعراق، وحمل هؤلاء معهم عاداتهم وأنماط عيشهم وامتزجوا مع سكان المدينة، وحدثت زيجات بين الأسر الأندلسية الرباطية والأسر الوافدة.

يقول محمد نجيب لوباريس إن هذا التفاعل والتمازج أثر على أسلوب عيش الأندلسيين الذي بدأ يتغير شيئا فشيئا، على عكس الحال في مدن أندلسية أخرى مثل تطوان وشفشاون.

ومع ذلك، يلفت إلى أن الطابع الأندلسي للرباط لا يزال باديا للعيان من خلال المعالم التاريخية كقصبة الأندلس والبنايات والأسوار، وكذلك من خلال أسماء بعض الأسر الأندلسية المستقرة في الرباط.

ومن أبرز هذه الأسر آل بركاش واكديرة وفنجيرو وبيرو وفرشادو وكراكشو وطريدانو وبلامينو وسكالانط أو شكالانط وغيرها، ويوضح لوباريس أن العائلات ذات أصول أندلسية لا تزال متمسكة بثقافتها وذاكرتها من خلال المأكولات مثل الخبز المزخرف و”البسطيلة” وحلويات كعب الغزال وغيرها، إلى جانب حرصها على إحياء مناسباتها بالموسيقى الأندلسية.

ويولي عشاق هذه الموسيقى اليوم اهتماما كبيرا للحفاظ عليها بشكلها العريق، فأسسوا جمعيات ومدارس خاصة بها، ونظموا مهرجانات في المدن العريقة مثل فاس وتطوان والرباط.

الذاكرة الموريسكية
كان لتنصيص دستور 2011 على المكون الأندلسي للهوية المغربية وقع إيجابي لدى الأسر الأندلسية. ودفعت هذه الخطوة العديد من المثقفين المغاربة إلى تأسيس مؤسسة ذاكرة الأندلسيين سنة 2012، وأسندت رئاستها للدكتور محمد نجيب لوباريس، وعينها على هدفٍ أساسي هو إعادة الاعتبار لتاريخ المسلمين الأندلسيين المطرودين من أراضيهم.

وبينما تزايدت في السنوات الماضية المطالب الموجهة لإسبانيا بالاعتذار عما ارتكبته من أهوال ومجازر في حق الموريسكيين فيما يوصف بأبشع جرائم التطهير العرقي في التاريخ، يرى رئيس مؤسسة ذاكرة الأندلسيين محمد نجيب لوباريس أن الاعتذار لن يعيد للمهجرين والمقتولين شرفهم واعتبارهم.

ويرى أن رد الاعتبار لن يتم إلا بإعلان يوم وطني في إسبانيا يخلد ذاكرة الموريسكيين، وبمنع الممارسات المهينة للتاريخ الأندلسي الإسلامي التي ظتهر في بعض الاحتفالات، ثم بإعادة النظر في المناهج المدرسية المعتمدة في المدارس الإسبانية والتي تنكر مرحلة الوجود الإسلامي في الأندلس.

بحزم وإصرار، يرفض لوباريس الحديث عن تمكين أحفاد الموريسكيين من مطالب مادية كمنح امتيازات معينة، ويضيف “نحن مغاربة ولنا مكانة اعتبارية في بلادنا، نقوم بدورنا ونعيش بين أهلنا، لا نريد من إسبانيا سوى احترام ذاكرتنا وإرث أجدادنا”.

المصدر : الجزيرة