التطريز شغف وفن.. شابات مغربيات يبعثن روحا عصرية في صنعة مهددة بالاندثار

- Advertisement -

وجدت شابات مغربيات في التطريز شغفا جديدا، يبعثن من خلاله روحا عصرية في هذه “الصنعة” التي باتت مهددة بالاندثار بسبب تغير الهوايات وعادات اللباس.

واستثمرت هؤلاء الفتيات حبهن للرسم، فجعلن من الخيوط ألوانا ومن الثوب أوراقا، وأطلقن العنان لمخيلتهن ومواهبهن لتطريز لوحات فنية تثير إعجاب الناظرين.

تطريز العمران

بالإبرة والخيط، ترسم العشرينية مريم برهون الأماكن والمناظر الطبيعية والوجوه، تفجرت موهبة الرسم لديها في مرحلة الطفولة، وفي الشباب استسلمت لهواية أصيلة في الثقافة المغربية هو التطريز في “المرمات” (إطار خشبي يوضع وسطه الثوب المطرز).

خلال فترة دراستها الجامعية في كلية الحقوق، كانت تقتنص أوقات الفراغ لتصميم لوحات متنوعة، ولنقل مشاهد من الحياة إلى الثوب أو تطريز رسائل المحبة عبر الخيوط الملونة، وبعد تخرجها هذا العام وجدت حرية أكبر في ممارسة هوايتها وشغفها.

تقول للجزيرة نت إن أصول عائلتها من مدينة شفشاون، وولدت في الرباط وترعرعت في تازة ثم انتقلت قبل سنوات للعيش في مدينة المضيق، لذلك فهي مرتبطة كثيرا بالعمران، وتحب تطريز البنايات والمآثر التي تميز المدن المغربية.

بالنسبة لمريم، فالتطريز أنقذها من حالة الحزن والوحدة التي داهمتها عندما انتقلت للمدينة الجديدة، تتذكر تلك الفترة وتقول “عشت قلقا كبيرا بسبب افتقاد أصدقائي وحياتي السابقة، كانت الإبرة والمرمة متنفسا لي والعلاج الفعال الذي أخرجني من المشاعر السلبية التي سيطرت علي”.

بالنسبة لها فالتطريز ليس سهلا، إذ يتطلب الصبر والوقت، فلوحة واحدة قد تستغرق أسابيع وأحيانا أشهر، تتذكر أنها طرزت صورة مبنى تاريخي بأبعاد كبيرة، وهو ما تطلب منها 3 أشهر من العمل.

من متعة شخصية لمشروع

وانتقلت أيضا الشابة هاجر الدباب من الرسم للتطريز، جذب انتباهها خلال اطلاعها على فيديوهات تعليمية في اليوتيوب، ووجدت فيه ما تبحث عنه.

كانت تطرز لنفسها ومتعتها الشخصية، لكنها عندما غادرت العمل بسبب تخفيض شركتها العمالة بعد أزمة كورونا، خصصت وقتا أكثر للتطريز وبدأت تعمل على تطوير مشروع صغير. اعلان

تقول للجزيرة نت إنها كانت في البداية تضع إبداعاتها في مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، فتفاعل معها أصدقاؤها والمقربون منها وطلبوا منها إنجاز بعض اللوحات المطرزة من أجلهم، ليتسع المقبلون على عملها ويشمل شريحة أكبر.

حولت هذه الشابة خريجة كلية الاقتصاد غرفة في بيتها إلى ورشة عمل، تقضي فيها وقتها في العمل على تلبية طلبات الزبائن المتزايدة.

معظم الطلبات، كما تقول، تتعلق بتطريز رسائل التهاني والمحبة بين الأصدقاء وأفراد العائلة، غير أن هاجر تحاول اقتناص وقت خاص بها لتنغمس في تطريز لوحات لمناظر طبيعية، إذ تجد فيها متعة وتحديا لنفسها ولقدراتها في فن التطريز.

التطريز هواية النساء

بدأت مريم برهون التطريز عام 2017، واكتسبت سمعة جيدة في محيطها بفضل جودة عملها، ولم تكتف بذلك بل نظمت ورشات للأطفال لتعليمهم المبادئ الأولى لتطريز اللوحات وهي الورشات التي لاقت نجاحا وتفاعلا كبيرا كما تقول.

وتزايد في السنوات الأخيرة إقبال الفتيات على تعلم التطريز، حيث صار هوايتهن الجديدة، ويذكر هذا الاهتمام بأيام الماضي حين كان التطريز هواية مشتركة لدى معظم الفتيات، فلا يخلو بيت من إبر وخيوط ومرمات.

وكانت المغربيات في الماضي يحرصن على تزيين الملابس والأغطية والأفرشة بالتطريز اليدوي الذي يسمى أيضا الرقيم أو الرشيم، وكان هذا الهاجس حاضرا لدى النساء من أهل المدن على الخصوص.

وازدهر التطريز في المدن العريقة مثل فاس وتطوان والرباط وسلا ووجدة ومكناس والشاون التي وفد إليها المهاجرون من العواصم الكبرى في المشرق والمغرب الإسلامي كدمشق وبغداد وقرطبة وغيرها، حسب ما قال لسان الدين بن الخطيب في كتابه نفاضة الجراب.

من نساء الأمس إلى اليوم

وكان التطريز يمارس في أوساط العائلات العريقة النازحة من الأندلس وبعض العائلات الغنية، قبل أن يتسع نطاقه تدريجيا ليشمل معظم المدن، حتى أن النساء المغربيات أصبحن يعتبرنه من المبادئ الأساسية في تربية بناتهن.

وكان التطريز الذي ينجز على الثوب أو الجلد يتم بخيوط الذهب أو الفضة أو النحاس أو خيوط الحرير، وهو الأكثر استعمالا في الأثواب وملابس النساء وخاصة أطواق الأعناق وأطراف السراويل وحواشي الأكمام والملابس التقليدية وأردية الحمام ومناديل الرؤوس وملاءات، أما التطريز بخيوط الذهب والفضة فكان منحصرا في صفوف نخبة النخبة من أسر الأمراء والأعيان وكبار الأثرياء.

وكان لكل مدينة مغربية أنماط معينة في التطريز تميزها عن باقي المدن، وتقتبس في الغالب من المحيط الذي تعيش ضمنه الطرازات من أشكال هندسية وأشجار وأزهار وورود.

ومع ظهور الآلات وتقنيات حديثة في التطريز، أضحى التطريز اليدوي مهددا بالانقراض، بسبب ارتفاع تكلفته وتراجع الأيدي المبدعة في التطريز مع تغير عادات لباس النساء وهواياتهن.

ومع ذلك، ظل بعض النساء وفيات لهذا التراث يقاومن لإنقاذه من الموت، بالاشتغال عليه وفق أنماطه الأصيلة التقليدية لإرضاء الأذواق المخلصة في حبها وارتباطها بهذه الذاكرة الثقافية.

بالمقابل، سعت مريم وهاجر لبعث روح جديدة في الطرز بتطريز لوحات فنية، يمسكن الإبرة والمرمة وينسجن أحلامهن وأفكارهن، ويتقاسمن مع فتيات أخريات هذا الشغف، يعرضن مشغولاتهن وإبداعاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك صارت العدوى تنتشر أكثر فأكثر.

المصدر : الجزيرة