ذ. محمد الطيب بوشيبة
السيد رئيس النيابة العامة يلقي كلمة بمناسبة اللقاء الجهوي لتتبع وتقييم وتفعيل الاتفاقية الإطار حول مكافحة الهدر المدرسي للوقاية من تزويج القاصر في23 نونبر2021 .
أثار الاهتمام كثيرا اليوم الدراسي الذي تميز بكلمة السيد رئيس النيابة العامة بمناسبة اللقاء الجهوي لتتبع وتقييم وتفعيل الاتفاقية الإطار حول مكافحة الهدر المدرسي للوقاية من تزويج القاصر في23 نونبر2021 .
هذا اللقاء الجهوي يندرج ضمن التزامات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، المبادرة المبتكرة البناءة التي تم إطلاقها تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، صاحبة المقولة الشهيرة: “لايهم العالم الذي سنتركه لأولادنا بقدر ما يهم الأولاد الذين سنتركهم لهذا العالم”.
في سياق الموضوع الذي يهمنا جميعا، وهو موضوع “تزويج القاصر”، نسعى للوقوف فيه سويا على نتائج توصيات مراكش لتفعيل الاتفاقية الإطار بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من أجل الحد من الهدر المدرسي للوقاية من تزويج القاصر.
وللإشارة فان اللقاء تزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة، واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة، واللذين نعتبرهما أياما احتجاجية وليس احتفالية، لانها وقفة سنوية لتقييم السياسات والبرامج الرامية لحماية الطفولة ولحماية النساء والفتيات من العنف.
فقد أصبحت قضايا تزويج القاصر من القضايا ذات الراهنين الكبرى في المجتمع لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية، وغيرها من الحقوق التي تكفلها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فالمغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة، لكنه سمح بزواج من لم يبلغ بعد السن القانونية، وأخضعه لمجموعة من الشروط أهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه بعد تقصي مصلحته من هذا الزواج من خلال الخبرات والأبحاث الاجتماعية التي يأمر بإجرائها، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى. في حين تفضح الإحصائيات والتقارير الرسمية الصادرة في هذا الموضوع إلى أن المحاكم ما فتئت تتوصل بمزيد من طلبات الإذن بزواج القاصر، حيث تلقت سنة 2020 ما يعادل 19926 طلبا صدر بشأنها 13335 إذناً بالزواج (تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2020)، ما يجعل الظاهرة مقلقة وتتجاوز الاستثناء. فالواقع أنتج وضعية لا تساير على الوجه المطلوب فلسفة المشرع التي كانت تتجه إلى جعل هذا الزواج استثناء في أضيق الحدود.
وإذا كان القضاة غير مسؤولين عن ارتفاع طلبات تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإن الجميع يتحمل مسؤولية ارتفاع أرقام تزويج القاصر في بلادنا .
في حين كان لزاما علينا الحرص على توخي المصلحة الفضلى للطفل كل من موقعه، والعمل على تجسيد فلسفة إعلان مراكش 2020 و الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتبني مقاربة تشاركيه في مجال محاربة العنف ضد النساء والفتيات والحد من تزويج القاصر.
فموضوع تزويج القاصر ظاهرة اجتماعية بامتياز يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي، وبالتالي فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل يجب مساءلة باقي فضاءات التدخل، كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني دون أن نغفل دور الأسرة في ذلك وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفولة في بلادنا.
ومما لاشك فيه أن الحصول على تعليم عصري إجباري ملائم متاح للجميع هو من أهم مطالبنا كمجتمع مدني الى جانب توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية أو الاجتماعية، مسلك أساسي لتحقيق هذه الغاية، وفي المقابل يشكل الهدر المدرسي أهم الأسباب التي تعوق تحقيقها.
ومواكبة منا كجمعية “ماتقيش ولدي ” لموضوع تزويج القاصر بالنظر لانعكاساته الوخيمة على الصحة النفسية والبدنية للطفل، وتفاعلا منا مع النقاش المجتمعي حول الزواج المبكر، نطالب إلغاء المادتين 20و21 من القانون 7/03 من مدونة الأسرة وإلغاء أيضا المادة 16 منها التي تتيح تصحيح زواج الفاتحة بما يعرف بثبوت الزوجية.