علاء البكري
“جزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور”
رحلة في أرجاء العالم خلال القرن الثامن الهجري والرابع عشر ميلادي، لم يكن في حسبان ابن بطوطة في بدايتها أنه سيرسم للأجيال من بعده صورة صادقة عن العالم الإسلامي. فكان أوفر الرحالين العرب نشاطا، وأشهرهم عناية بالحديث عما رآه وسمعه من غرائب وعجائب في البلدان التي زارها والتي ناهز عددها الأربعة والأربعين بلدا. كما كان من الرحالة المغامرين الذين تملّكهم حب الاستطلاع وركوب الكثير من الصعاب حتى لقب بشيخ الرحالة العرب، وأمير الرحالة العرب.
فهو أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواثي الطنجي، الملقب بشمس الدين والمعروف بابن بطوطة. هو رحالة ومؤرخ وقاض ولد بطنجة يوم الإثنين السابع عشر من رجب سنة 703هـ/1303م، وينتسب إلى قبيلة لواثة البربرية، لأسرة ميسورة عنيت بعلوم الشريعة والقضاء في المغرب والأندلس.
تلقى علومه الأولى على يد أبيه، حيث حفظ القرآن الكريم وألمّ بعلوم الدين واللغة العربية. خرج من طنجة سنة 725هـ فطاف بلاد المغرب ومصر والحبشة والشام والحجاز وتهامة ونجد والعراق وبلاد فاس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر بلاد الهند والسند والصين وإندونيسيا وبلاد التتار وبلاد الأندلس وأواسط إفريقيا إلى أن دعاه السلطان أبو عنان بضرورة الرجوع إلى فاس سنة 754هـ لينضم إلى المجلس العلمي للسلطان. وهناك أملى أخبار رحلته على محمد بن جزي وأطلق عليها “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”سنة 756هـ .
خرج ابن بطوطة من مسقط رأسه طنجة، وهي المدينة الصغيرة ذات المجتمع الضيق، ومن ثقافة شيوخه الدينية والتراثية، إلى عالم أرحب، وبلدان مختلفة، وثقافات متعددة بتعدد مجتمعاتها. فلا غرو أن يندهش صاحبنا من الكثير مما يراه ويسمعه ويدركه، لذلك فُتن رحالتنا بالحكي عن العجيب والغريب، مما أتحف مشاهداته ومعيشه طوال فترة رحلته التي استغرقت تسعا وعشرين سنة.
هذا ويحفل كتاب ابن بطوطة الموسوم ب”تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”بالعديد من الأحداث والوقائع والحكايات الغرائبية والعجائبية التي ظلت موضع إدهاش إلى عصرنا، خاصة عندما يؤكد رحالتنا أنه كان شاهد عيان عليها.
وسننقل في هذه السلسلة جملة من الحكايات العجيبة والوقائع الغريبة والأحداث المدهشة التي عاشها ابن بطوطة خلال رحلته في “غرائب الأمصار وعجائب الأسفار“…