الترمضينة: عنف ومشاحنات بدعوى الصيام

- Advertisement -

من المعلوم أن شهر رمضان المبارك هو أفضل الشهور على الإطلاق لدى المسلمين كافة، وقد خصه الله – جل وعلا – بمزايا كثيرة، وجعل فيه الأجور مضاعفة، وقذف حبه في قلوب العباد. وفي الوقت الذي من المفترض أن يكون هذا الشهر الذي يطل علينا في كل سنة، فرصة ومناسبة لتجسيد الروح الإيجابية، وشيوع الأخلاق السمحة، تتحول مجموعة من الشوارع والأحياء بمختلق ربوع المملكة المغربية، إلى منصة للخصومة وتبادل الشتائم والشجار قد تصل أحيانا لدرجة القتل، كل ذلك بمبرر الصيام.

فهذه السلوكات العدوانية التي تنبع من تصرفات بعض الصائمين في رمضان على شكل غضب وانفعال غير مبرر في أغلب الأحيان، يترجم على شكل عنف لفظي أو جسدي يكون غالبا قُبيل موعد الإفطار، يُسميها المغاربة بـ”الترمضينة”.

ويعرف الأخصائيون مصطلح “الترمضينة”، بأنها توصيف مشتق من السياق الرمضاني، ويقصد بها تلك الحالة المزاجية السيئة والانفعالية الشديدة التي تنتاب بعض الأفراد خلال الصيام.

في هذا السياق، يؤكد أستاذ علم الاجتماع ، الطيب عيادي، أن “الترمضينة” تتمظهر على شكل شجار لفظي أو جسدي، مبرزا أن ما يثير الاستغراب في هذه الحالة هو السياق السوسيو عقدي الذي تقع فيه؛ وهو شهر رمضان لأن المقتضى الديني لشعيرة الصيام هو التحلي بما فوق المعتاد من التسامح والترفّع عن الإساءة للغير أو مبادلتها.

وتابع أن التمثل الاجتماعي لهذه الظاهرة بعدم توقعها خلال شهر رمضان هو ما جعل حضورها دالا، مشيرا إلى أن “الترمضينة” تبقى حالات استثنائية ومعزولة، في ظل عدم توفر معطيات إحصائية تثبت عكس ذلك، حيث أن القاعدة هي انتشار التكافل وأعمال الخير، والإقبال الكبير على المساجد.

وعن الأسباب التي تؤدي إلى الترمضينة، يرى ياسين أمناي، أخصائي نفسي وباحث في علم النفس الاجتماعي، أنه لا يمكن الحسم في كون أن هناك سببا في حد ذاته، ودليل ذلك أنه ربما كون أن كل حالة لها طريقة انفعالها أو “ترمضينتها”. فمثلا هناك من يتعاطون السجارة وبعض المخدرات، وهناك حالات لأناس يعيشون وسط ضغط العمل، أو زيادة المصاريف في رمضان”، مؤكدا أن “هذا ما يجعل الترمضينة في نهاية المطاف، ما هي إلا تلك النقطة التي أفاضت الكأس، لكونها نتاج لتراكمات، يجب استحضارها في الحديث عن هذه الظاهرة.

وفي حديثه عن الخطوات التي يمكن نهجها للحيلولة دون وقوع الشخص في الترمضينة، يشدد الأخصائي النفسي أمناي، على عدم وجود وصفات سحرية تجعل الفرد يتجنب هذا العنف أو الترمضينة، على اعتبار أن كل إنسان متفرد بذاته، وأن السلوكات تختلف من شخص لآخر.

غير أن الإشكال يقول أمناي، هو على مستوى التمثلات للأفراد وكيف يدركون هاته المسألة، معتبرا أن الذي يحدد المعطى السلوكي هو الجهاز المفاهيمي أو البنية المعرفية التي لدى الشخص حول مفهوم ما أو حدث أو شيء معين.

وفي الأخير، نقول إنه لا ينبغي تهويل موضوع “الترمضينة” رغم أن معظم المغاربة يتداولون آثارها السلبية على المجتمع وطباع الصائم، لأن المسلم هو من سلم الآخرون من لسانه ويده وقلبه، سواء في رمضان أو غيره، وتحت أي ظرف يعيشه.