شريحة دماغية تخلص امرأة من اضطرابات الوسواس القهري
بعدما كانت الأميركية الثلاثينية آمبر بيرسون تغسل يديها حتى تنزف بسبب الوسواس القهري، أصبحت هذه التصرفات مجرّد ذكريات لها بفضل شريحة دماغية تُعدّ ثورية في معالجة هذا الاضطراب النفسي.
وأصبحت أمبر أول شخص يُزَوَّد بجهاز صغير مماثل بالحجم لضمادة صغيرة، في الجزء الخلفي من دماغها، مما قلّص اضطرابات الوسواس القهري ونوبات الصرع التي كانت تعانيها. ويمثل هذا الجهاز تقدّماً علمياً واعداً غيّر حياة المريضة بشكل جذري.
وفي هذا السياق، قالت بيرسون التي تقيم في ولاية أوريغون غرب الولايات المتحدة “تحسّنت حياتي اليومية وبتّ حاضرة فيها، وهذا أمر مذهل”، مضيفة أنها قبل ذلك، كانت محاصرة باستمرار داخل ذهنها ومنشغلة في هواجسها.
وأضافت “بتّ سعيدة مجددا ومتحمسة للخروج والعيش حياة طبيعية والتواجد مع أصدقائي وعائلتي الذين انقطعت عنهم لسنوات”. وحظيت هذه العملية بإشادة في مجلة علمية.
هذا، وقد تستهلك اضطرابات الوسواس القهري الحاد ما يصل إلى “ثماني أو تسع ساعات” من يومها، مما يتسبب في عزلتها اجتماعيا. وكانت قبل الخلود إلى النوم، تتأكد من أنّ الأبواب والنوافذ مغلقة، وتمديدات الغاز غير مشغّلة والكهرباء مفصولة عن الأجهزة.
وفي هذا السياق، أكد جراح الأعصاب أحمد رسلان الذي أجرى الجراحة في مستشفى جامعة أوريغون للصحة والعلوم أنه لا يزال مندهشاً من نتائج مريضته.. خاصة بعدما تقلص الوقت الذي كانت تقضيه تحت تأثير الوسواس من «ثماني أو تسع ساعات» إلى نصف ساعة يومياً.
وخشية الإصابة بأي عدوى، كانت تستحم في كل مرة تهتم بقطتها، وكانت تغسل يديها جيداً لدرجة أن تصبح مفاصلها جافة وتنزف. وغالباً ما كانت تفضّل تناول الطعام بمفردها لا مع أفراد عائلتها أو أصدقائها، لكن بعد خضوعها لعملية الشريحة، باتت اضطرابات الوسواس القهري تأخذ نحو ثلاثين دقيقة فقط من يومها.
– الجهاز الوحيد في العالم –
أما الشريحة الدماغية لمرضى الوسواس القهري، فترسل نبضًا كهربائيًا عندما ترصد ردود أفعال غير طبيعية في دماغ المريض لاستعادة الأداء الطبيعي، وهي تقنية تعرف باسم التحفيز العميق للدماغ. وهذا الأخير يستخدم بدوره منذ أكثر من 30 سنة لعلاج الصرع.
لكن دور هذه الشريحة التي يبلغ قطرها 32 ميليمترًا، هو الحد من اضطرابات الوسواس القهري الذي كان لا يزال غير مفهوم بشكل جيد ويقتصر على الأبحاث التجريبية، حتى الجراحة المبتكرة التي أجراها أطباء من جامعة أوريغون للصحة والعلوم عام 2019 لبيرسون.
وخضعت آمبر لعملية زرع “جهاز للوسواس القهري والصرع، وهو الجهاز الوحيد في العالم الذي يعالج هذين المرضين” في الوقت نفسه، على ما يؤكد جراح الأعصاب أحمد رسلان الذي لا يزال مندهشا من نتائج مريضته.
وتجدر الإشارة إلى أنّ بيرسون هي مَن اقترحت الفكرة على الفريق الطبي. ورغم استئصال قسم من دماغها بسبب إصابتها بالصرع الدائم، لا تزال بيرسون تعاني من نوبات عنيفة لدرجة أنّ إحداها تسببت لها بسكتة قلبية، مما جعل الأطباء يرغبون في زرع شريحة لها لمحاربة هذا المرض المقاوم. فقالت لهم “بما أنكم ستدخلون إلى دماغي لتضعوا قطبا كهربائيا وبما انني مصابة أيضاً باضطراب الوسواس القهري، هل يمكنكم غرس قطب يساعدني في التغلب على هذا الاضطراب النفسي؟”.
وقال رسلان “لحسن الحظ أخذنا هذا الاقتراح على محمل الجد”. ولتصميم الجهاز، راقب الأطباء نشاط دماغها، من خلال إعطائها مثلاً مأكولات بحرية، وهي أحد أنواع الأطعمة التي تسبب لها التوتر.
وقد أتاح لهم ذلك تحديد “العلامات الكهربائية” المرتبطة بالوسواس القهري. – أمل – ويقول رسلان أن الشريحة مبرمجة “لإحداث تحفيز فقط عندما ترصد هذه الإشارة”.
وانتظرت بيرسون ثمانية أشهر قبل أن تلاحظ التغييرات الأولى في تصرّفاتها، فيما تحظى نتائج هذه العملية بإشادة علمية واسعة وتجري حاليًا دراستها في جامعة بنسلفانيا لمعرفة كيف يمكن تطبيق هذه التقنية على مرضى آخرين، وفق رسلان.