لم يغب الحضور النسائي عن المشهد الثقافي المغربي خلال فترات تاريخيّة مهمة، إذ يمتد بجذوره إلى الماضي القديم، من خلال ممارسة المرأة المغربية لنظم الشعر من قبيل الشاعرة سارة الحلبية، التي كانت تعتبر من أجود شعراء مدينة فاس إبان العهد المرينيي (بين القرنين 13 و15 الميلاديين).
وفي ظل الثقافة الفقهية والدينية التي كانت المنفذ الوحيد للمرأة المغربية قديماً، نجد بعض المؤرخين يوردون لنا بعضا من أعلام العالمات والفقيهات مثل آمنة بنت خجو، التي كانت تقوم بتدريس الفقه والحديث في عهد الدولة السعدية، والسيدة عائشة زوج المختار الكنتي، التي عاشت في عهد الدولة العلوية، والتي كانت من العالمات الفاضلات، وكانت من جانبها تدرس المختصر الخليلي للنساء.
ومع مجيء الاستعمار قامت النخبة المغربية بمقاومة الاحتلال الأجنبي مسلَّحة بالوعي بضرورة تحديث المجتمع والرغبة في اللحاق بأسباب التقدم، ما دعا إلى ضرورة تعليم وتحرير المرأة/الفتاة المغربية؛ وحينما تعلمت المرأة المغربية وتثقفت، صدحت أصوات نسائية شجية عبرت عن قضايا المجتمع المغربي بواسطة الكتابة.
وتندرج، في هذا الصدد، مساهمات كل من مليكة الفاسي وآمنة اللوه, حيث قامت الأولى عام 1941 بنشر قصة تحمل عنوان “الضحية” في مجلة “الثقافة المغربية”، وفي العام 1955 نشرت الكاتبة آمنة اللوه في مجلة “الأنوار” قصة تحت عنوان “الملكة خناثة”، وهي مساهمات إبداعية ركزت على قضايا المرأة، ومثلت الإرهاصات الأولية لنشأة الكتابة النسائية خصوصًا في مجال الحكي القصصي.
وتقترن الانطلاقة الحقيقية للأدب النسائي في المغرب بفترة أواخر الستينات التي ستشهد صدور رواية “غدا تتبدل الأرض” لفاطمة الراوي عام 1967، ومجموعتين قصصيتين للكاتبة خناتة بنونة “ليسقط الصمت” عام 1967، و”النار والاختيار” عام 1968، ومجموعة قصصية للكاتبة زينب فهمي (رفيقة الطبيعة) بعنوان “رجل وامرأة” في العام 1969.
وفي مطلع الثمانينات، سيحدث تحول نوعي مع إصدار خناثة بنونة لروايتها “الغد والغضب، وليلى أبو زيد رواية “عام الفيل”. وفي العام 1987 ستعيد الكاتبة والروائية خناثة بنونة إصدار مجموعة قصصية بعنوان “الصمت الناطق”. وهي الفترة نفسها التي ستشهد ميلاد القصيدة النسائية؛ أي أن المرأة المغربية ستعمل على إصدار دواوين شعرية مثل “فجر الميلاد” لآسيا الهاشمي البلغيتي، و”كتابات خارج أسوار العالم” و”أصوات حنجرة ميتة” للشاعرة مليكة العاصمي.
لعل هذه اللبنات الأولى في حقل الأدب المغربي بصيغة المؤنث، كانت مشجعة ومؤسسة لأدب تمتد عروشه إلى اليوم؛ بل تينعُ ثماره بتنوعها، مُثريةَ المشهد الأدبي النسائي في المغرب.