المسلم بين توديع رمضان واستقبال عيد الفطر في ظل تمديد الحجر الصحي
الفقيه وخطيب الجمعة الاستاذ محمد بوزيد- المملكة المغربية
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد،
يا غافلا وليالي الصوم قد ذهبت زادت خطاياك قف بالباب وابكيها
واغنم بقية هذا الشهر تحظى فما غرسته من ثمار الــــــخير تجنيها
وتب لعلك تحظى بالقبول عسى أن تبلغ النفس بالـــــــتقوى أمانيها
وقل إلـــهي أنا العبد الذليل وقد أتيت أرجــوا أجــورا فـاز راجيها
فلا تكلني إلى علمي ولا عملي واغـــفر ذنوبي فإني غــــارق فيها
بالأمس القريب استقبلنا هذا الشهر الكريم وعشنا معه بخصائصه ونفحاته وظروفه الاستثنائية في ظل ما يمر به العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد وها نحن اليوم نستعد لتوديعه اذ لم يبق منه إلا القليل ومن خصائص هذا الشهر الفضيل أن هناك أمورا جميلة يكمل بها الصيام ويتوج بها القيام ويختم بها الموسم وفي هذه الإطلالة نبين للأحبة الأفاضل الأعمال التي تشرع في ختام هذا الشهر:
أ/ اخراج زكاة الفطر المفروضة على كل مسلم ومن تحت نفقته وتجب على الذكور والإناث الكبار منهم والصغار ولو ابن يوم او ساعة واستحب عثمان بن عفان رضي الله عنه اخراجها عن الجنين وهي صاع عن كل واحد من قمح أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط – اللبن المجفف – أو من أي شيء يقتاته الناس ويعيشون به وإنما جاء النص بالاقتصار على الأشياء المذكورة لأنها كانت موجودة أيام النبوة وحديث الساعة بين جواز اخراجها قيمة من عدمه ونص العلماء وفي مقدمتهم المجلس العلمي الأعلى على جواز اخراجها قيمة كزكاة الأموال الأخرى لأن المقصود للشارع هو نفع الفقير المسكين وسد فاقته وليس هذا من باب التعبد فنجمد على اخراج الحبوب والثمار فإن في ذلك مفاسد ولا سيما اليوم وبين المجلس العلمي المغربي أن القيمة تبتدئ من ثلاثة عشر درهما للشخص الواحد والأمر في ذلك سعة ومن لم يجد شيئا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ووقتها أنها تبتدئ من غروب شمس ليلة العيد وتنتهي قبل صلاة العيد ويجوز تقديمها بيوم أو يومين فمن أداها قبل الصلاة كانت زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة كانت صدقة من الصدقات وهذه الزكاة طهرة للصائم ما عسى أن يكون حصل منه لغو أو رفث وهي ايضا طعمة للمساكين لكي يغنيهم ذلك عن السؤال في يوم العيد فيكون العيد عيدا للجميع
بـ/ العيد وما يتعلق به إذ لا تكتمل طقوس العيد في العالم الإسلامي عامة والمغربي خاصة من دون ذلك المنظر الروحاني الذي يخرج الناس الى المصلى لصلاة العيد وذلك المنظر الرائع الذي يعقب الصلاة من تصافح وتغافر المسلمين مع بعضهم البعض وأيضا نرى بهجة الأطفال الذين يخرجون إلى الشوارع في تجمعات كبيرة وهم يرتدون الملابس الجديدة فرحا واحتفالا بالعيد لكن وفي ظل مخاطر انتشار فيروس كورونا وفرض الحجر الصحي وخشية تفاقم انتشار هذا المرض، فإن هذه الطقوس سوف تختفي هذه السنة بل حتى صلاة العيد، لأن الالتزام بتعليمات الوقاية من العدوى واجب شرعي وإجماع العلماء على اعتبار عدم التجمع واجبا شرعيا، إذ يجب على الناس أن يصلوا العيد في بيوتهم مع أسرهم فيصلي الرجل إماما بأهل بيته – زوجته وأولاده – أو فرادى كما ذهب إليه كثير من الفقهاء وذلك انطلاقا من أن أعظم مقاصد شريعة الإسلام حفظ النفوس وصيانتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار فيقتصر المسلم على الصلاة دون الخطبة إذ لا تشترط الخطبة وتصلى ركعتين يفتتح الأولى بسبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام والثانية بخمس تكبيرات ووقتها وقت الضحى يبتدئ من بعد شروق الشمس بثلث ساعة او نصف ساعة ويمتد إلى قبيل أذان الظهر بثلث ساعة فإن دخل وقت الظهر لا تصلى وينبغي للمسلمين التضرع إلى الله بالدعاء لرفع ما حل بالإنسانية من البلاء
والعيد فرصة كبيرة فيما بين الأزواج لنبذ الخلافات وتحقيق المزيد من الاستقرار وهذا مما يزيد من مشاعر الحب والألفة والتفاهم ولا بأس بتوزيع الهدايا فهذا مما يضفي جوا من الفرحة والسرور لأن العيد مناسبة للفرح والسرو
ج/ مسألة صلة الرحم في ظل تمديد الحجر الصحي مما لا خلاف فيه أن صلة الرحم واجبة وقطيعتها محرمة للنصوص الثابتة في ذلك من الكتاب والسنة ولا تسقط في زمن الأوبئة والأمراض وإنما يحرص المسلم على تحقيقها بالوسيلة المتاحة بشرط ألا يترتب عليها ضرر وأقل المراتب المراسلة والمهاتفة وهي يسيرة تناسب حال القرار في البيوت وتقييد الحركة والحمد لله هناك وسائل متعددة وبرامج متنوعة للاتصال السمعي البصري فليحاول المسلم الاستفادة منها وتحقيق صلة الرحم بها عملا بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وعملا بالقاعدة الشرعية “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، يجب على المسلم الالتزام بمنع التواصل الجسدي ويكتفي بالمراسلة والمهاتفة ويثاب على ذلك كما يثاب المرء على ارتداء الواقيات لأنها تساهم في عدم نشر العدوى
ووصيتي لكل مسلم الالتزام التام بشروط السلامة فإذا لم تنفع المسلمين فكف أذاك عنهم فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
فيا أيها الشهر الكريم في رحيلك ترفق
فدموع المحبين من ألم الوداع تتدفق
عسى ساعة توبة لها العبد يوفق
ترفق فلعل منقطعا من الركب أن يلحق
وعسى من استوجب النار أن يعتق
نسأله تعالى أن يعيد علينا هذا الشهر ونحن في صحة وعافية أعواما عديدة وأزمنة مديدة اللهم احفظنا من الوباء وارفع عن البشرية ما حل بها اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان ولا حول لنا ولا قوة إلا بك أنت حسبنا ونعم الوكيل اللهم لا تردنا خائبين ولا من رحمتك مطرودين والحمد لله رب العالمين