بعد حصولها على شهادة الليسانس ثم الماجستير من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أكملت الباحثة المغربية في علوم البحار والنمو الأزرق، نزهة مجاد (Nezha Mejjad)، دراساتها الجامعية في إيطاليا بعد استفادتها من منح لدراسة تخصصات جديدة مكملة لتخصصها الأول.
في إيطاليا، كانت الدراسة إلى جانب طلبة من عدة جنسيات في حوض المتوسط، وهو ما فتح لها آفاقا جديدة في حياتها الدراسية والمهنية.
عن هذه الرحلة وكيفية الاستفادة من منح جامعية، تحدثنا نزهة مجاد في هذا الحوار.
- في البداية.. كيف قضيت سنوات الدراسة الجامعية في المغرب؟
لا أخفي عليكم أنني واجهت صعوبات في بداية الأمر خاصة في السنة الأولى، وهنا أتكلم عن إشكالية التأقلم والتكيف مع عالم كان بالنسبة لي جديدا ومختلفا عن مرحلة الثانوية؛ لأن منهجية التدريس والتلقين في الجامعة مختلفة جدا عن المرحلة الثانوية.
لكن أتذكر أنني تمكنت في السنة الثانية من تجاوز هذه العقبة والتأقلم مع الحياة الجامعية، وفزت بجائزة التميز للسنة الثانية علوم جيولوجيا، حيث كنت من الأوائل في شعبة الجيولوجيا للسنة الثانية عام 2010، وتخرجت بعدها بإجازة ضمن الأوائل.
كان موضوع البحث العلمي، الذي تقدمت به لنيلي شهادة الليسانس من بين ألمع البحوث في شعبة الجيولوجيا، وهو ما سمح لي بالتسجيل في الماجستير بالكلية نفسها (كلية العلوم بن مسيك بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بالمغرب).
أنجزت مشروع التخرج للماجستير في المركز الوطني للطاقة والعلوم والتكنولوجيات النووية حول موضوع ذي أهمية سواء على الصعيد البيئي أو الاقتصادي، وهو ما فتح لي أبواب التسجيل في شهادة الدكتوراه، وقد توج بحث الدكتوراه الذي ناقشته سنة 2018 بجائزة أحسن أطروحة تمت مناقشتها في علم الجيولوجيا بجامعة الحسن الثاني لسنة 2018.
- كيف انتقلت للدراسة في إيطاليا؟
خلال سنوات تحضيري لشهادة الدكتوراه، تمكنت من المشاركة في تدريبات ممولة بالكامل بكل من إيطاليا، ألمانيا، سلوفينيا والصين، الشيء الذي مكنني من توسيع شبكة معارفي والوصول بسهولة إلى جديد المنح الجامعية والدورات التدريبية خارج الوطن.
أتذكر أنني علمت بدورة تدريبية إيطاليا من خلال الإعلان، الذي نشرته مجموعة الباحثين الشباب العرب على موقع التواصل الاجتماعي في الفيسبوك، التي تسمى “رابطة العالم العربي للعلماء الشباب” (Arab World Association of Young Scientists)، والتي تسمى اختصارا “عرب ويز” (Arabways)، وهي مجموعة كبيرة تضم حوالي 20 ألف باحث عربي، وأنصح كل باحث وطالب عربي بالانضمام إليها؛ لأنها ستفتح له آفاقا كبيرة.
خلال تدريب إيطاليا، علمت بوجود “ماجستير متقدم” (advanced master) بجامعة تريستا، وأنه بإمكاني المشاركة، فترشحت في تخصص جديد، وهو “النمو الأزرق المستدام”؛ لكنه مرتبط بشكل ما بتخصصي الأول، وقد تم قبولي حيث جاء اسمي في المرتبة الثانية، وكانت المرتبة الأولى لباحثة إيطالية.
أما في الوقت الحالي، فأنا أدرس ماجستيرا ثانيا بالمعهد الزراعي المتوسطي باري وجامعة باري، وسأحصل قريبا على ماجستير ثالث في الابتكار المفتوح وريادة الشباب في قطاع الأغذية الزراعية في الدول المتوسطية.
- برأيك ما هي أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في طالب المنحة الجامعية خارج الوطن؟
التفوق هو أحد الشروط للحصول على منح ما بعد الإجازة، حيث إن تقييم واختيار المشاركين يرتكز خاصة على المعلومات الواردة في السيرة الذاتية.
ويجب أيضا العناية برسالة التوصية والرسالة التحفيزية، التي يتم فيها تحديد أهداف المشاركة بدقة، وكيف سوف يساعد هذا التدريب أو الدراسة في دعم مشاريعه المستقبلية، أو كيف سيستفيد منه في مجال عمله، وبعد اختيار المرشحين المناسبين يتم استجوابهم لتقييم مستواهم المعرفي أو اللغوي.
- من خلال كلامك، يتضح أن شبكة الإنترنت هي بوابة الدراسة في الخارج، ما تعليقك؟
نحن الآن في عصر التكنولوجيا، والمعلومة أصبحت متاحة فقط بالضغط على زر “إنتر” (enter)، فهناك المئات إن لم نقل الآلاف من المواقع والصفحات والمجموعات المتخصصة، التي تقوم بنشر أخبار المنح المتوفرة عبر مختلف جامعات العالم.
وهناك أيضا العديد من الطلبة والباحثين الذين يساعدون زملاءهم الجدد من خلال مشاركة تجاربهم ونشر أخبار آخر الفرص الخاصة بالتدريبات والمنح والدراسة بالخارج، وكذلك أفعل أنا لتعم الفائدة.
- هل التخصص الجامعي له دور في الحصول على منحة؟ يعني هل هناك تخصصات مطلوبة وأخرى غير مطلوبة؟
نعم ولا. نعم لأن هناك تخصصات مطلوبة أكثر من أخرى، ربما لوجود مشاريع كثيرة تدعمها كبريات المعاهد والجامعات والمؤسسات الخاصة والعامة، كالتخصصات المرتبطة مثلا بالطاقات المتجددة والتغير المناخي والتكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي، وهي كلها مواضيع الساعة ومطلوبة، وبذلك تجد فرصا متعددة وكثيرة مرتبطة بمثل هذه التخصصات.
ولا، لأنني أعتقد بأنه لا توجد تخصصات غير مطلوبة، وإنما كل ما في الأمر أنه يجب عند التقدم للمنحة مراعاة الطريقة في طرح وصياغة موضوع التخصص وربطه بالتخصصات المطلوبة.
أنا مثلا دراستي كانت حول مستوى التلوث في رسوبيات تم أخذها من بحيرة بالمحيط الأطلسي؛ لكن تمكنت من ربط دراستي وتخصصي بالنمو المستدام، والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر، وكل مرة كنت أجد خيطا لأربط به تخصصي بتخصصات أخرى، وبذلك كنت أوسع دائرة معلوماتي ومعارفي، وهذا مهم جدا للطالب.
- الكثير من الطلبة يقومون بالتنقل من تخصص لآخر، لماذا؟ وهل هذا محبذ؟
بالنسبة لي عندما تم قبولي لدراسة ماجستير ثان في النمو الأزرق المستدام كنت أعتقد أنني سأدرس تخصصا جديدا؛ لكن في الواقع كان هذا التخصص مرتبطا بمجال اشتغالي وبحثي المتعلقين أساسا بالبيئة، وإعادة تدوير النفايات، والتغير المناخي والاستدامة والنمو المستدام.
وهناك في اعتقادي تخصصات مكملة للتخصص الأصلي ودراستها ستعود بالفائدة على الطالب. أما التنقل من تخصص إلى تخصص آخر يكون بعيدا جدا أظن أنه غير محبذ، ولا يعود بالفائدة على صاحبه.
- كيف استفدت من الدراسة في إيطاليا؟
بصراحة، الدراسة في إيطاليا كانت بالنسبة لي تجربة ثرية جدا ومهمة، فالمستوى العلمي في الجامعات الإيطالية عال، خاصة في التخصصات المتعلقة بعلوم البحار والمحيطات والاقتصاد الأزرق والنمو المستدام.
كما سمحت لي هذه التجربة بالاحتكاك بالعديد من الطلبة من كل دول البحر المتوسط تقريبا، وهذا مهم جدا لتبادل التجارب والخبرات مما يزيد طالب العلم قوة ومهارة.
كما تمكّنت بفضل هذه التجربة كذلك من الحصول على تدريب بأحد أهم المعاهد الوطنية لعلوم البحار الإيطالية بأواخر سنة 2020، حيث قمت بالاشتغال على موضوع بحث يتعلق بما درسناه في الماجستير بإيطاليا، وما زلت أشتغل على أبحاث مرتبطة بالاقتصاد الأزرق والنمو المستدام.
وتراكم خبراتي مكنني من تقديم محاضرات عديدة في مجال تخصصي في مؤتمرات على الصعيد الوطني والعالمي.
لقد كان لهذه التجربة أثر كبير في مسيرتي المهنية، والانفتاح على الآخر أكسبني مهارات كثيرة من حيث التواصل والعمل في إطار مجموعة.
- هل كانت اللغة عائقا بالنسبة لك؟
اللغة لم تكن أبدا عائقا أمامي، وأستبعد أن تشكل عائقا أمام طالب العلم، فلغة المخابر هي الإنجليزية، وبإمكان أي طالب تعلمها جيدا من خلال الممارسة اليومية لها.
أنا أتكلم العربية والفرنسية جيدا؛ لكن لا أحسن الإنجليزية، ورغم ذلك تمكنت خلال كل هذه التدريبات من تحرير لساني من عقدة التكلم بالإنجليزية، وأنا أنصح كل طلاب العلم أن يتعلموها، وألا يخافوا من التقدم لمنح لأن لغتهم الإنجليزية ضعيفة.
- يبدو من خلال حديثك أن تجربة إيطاليا كان لها أثر كبير على حياتك المهنية والشخصية؟
لا يمكنني وصف روعة العمل في بيئة واحدة مع طلبة وأساتذة ومهندسين من مختلف الأعمار والجنسيات وفي مختلف التخصصات في علوم البحار، والبيولوجيا، والجيولوجيا وغيرها.
التأقلم السهل فيما بيننا هو من الأشياء الجميلة التي ظلت عالقة في ذهني، وجعلتني أكثر انفتاحا على العالم وعلى الناس.
- ما هي النصيحة التي يمكن إسداؤها للطلبة الشباب للنجاح في مشوارهم؟
أقول لهم ابحثوا عن الفرص، فهي موجودة دائما، ولا تنتظروا أن تأتيكم. لا تفشلوا إذا لم يتم قبولكم في المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة؛ بل يجب تكرار المحاولات، فالنجاح يأتي بعد الإصرار وتصحيح الأخطاء.
يجب الاشتغال أكثر على السيرة الذاتية والرسالة التحفيزية، وكذلك البحث عن الفرصة المناسبة التي يستوفي فيها المتقدم الشروط المطلوبة.
أخيرا كلما وجدت فرصة لتطوير مكتسباتك المعرفية سواء داخل بلدك أو خارجه أو من خلال الإنترنت لا تتردد لثانية واحدة في خوض غمار التجربة؛ لكسب تجارب جديدة وتوسيع الشبكة المعرفية.
المصدر : الجزيرة