التعليم الخصوصي بالمغرب والمطالبة بالمستحقات الدراسية والتنقل في الحجر الصحي
وجهة نظر قانونية على ضوء جائحة كورونا
الأستاذ يوسف غريب
محام بهيئة الدار البيضاء وفاعل حقوقي وجمعوي
توصلت مجلة فرح بعدة تساؤلات حول التعليم الخاص في المغرب وبالأخص ان العديد من المدراس طالبت اولياء التلاميذ بثمن الدراسة كاملا غير مقتطع بل وايضا مصاريف النقل المدرسي في حين ان المدارس مقفلة والتلاميذ في وضع حجر صحي وبعض اولياء التلاميذ طالتهم يد الازمة الاقتصادية بسبب توقف انشطتهم المهنية فهل يحق لأرباب التعليم الخاص المطالبة بذلك، اسئلة وأخرى يجيب عليها اخصائي في القانون وهو الاستاذ يوسف غريب محام بهيئة الدار البيضاء وفاعل حقوقي وجمعوي معروف
يعتبر التعليم ضرورة أساسية لكل المجتمعات، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أكدت على الحق في التعليم كما أن معظم الأنظمة السياسية عملت على دسترته، ومن بينها المغرب من خلال مشروع دستور 1908 في المادة 89 منه وفي أول دستور بعد الاستقلال سنة 1962 وكل التعديلات التي عرفها إلى دستور 2011 الذي نص عليه في المواد 31 إلى 32 و33 منه.
فإذا كان مبدأ مجانية التعليم والحق في الولوج إلى المدرسة العمومية هو الأصل، فإنه ولعوامل سوسيو- اجتماعية ظهر قطاع التعليم الخاص بالمغرب إلى جانب التعليم العمومي مع مطلع الثمانينات، والذي مع الوقت أخد صيغة مقاولات تجارية إلا أن هذا الظهور لم يشكل الولادة الفعلية للتعليم الخصوصي إذ أن هناك محطات تشريعية سابقة حتى في مرحلة الاستعمار. فما وجود مدارس التعليم الحر في تلك المرحلة إلا دليل على ذلك، إلا أن صدور القانون 00 -06 المعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي الصادر في 17 -09-2001 الذي جاء على ضوء ” الميثاق الوطني للتربية والتعليم” شكل محورا مفصليا في هدا السياق بالإضافة إلى المراسيم التطبيقية له والقانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
لقد اثار هذا القانون مجموعة من الإشكالات القانونية منذ صدوره -من وجهة نظرنا- لما يعتريه من نقص وثغرات ما يمكن الاشارة الى بعض منها بعجالة.
اذ انه بقراءة متأنية لبعض المواد التي يتضمنها هذا القانون يتبين أن المراقبة الإدارية التربوية – المادة 22 من القانون 00 -06 – أوكلها المشرع للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وليس لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، هذه الاخيرة منحتها بعض الصلاحيات المحدودة ب لا تمكنها من ميكانيزمات الرقابة بالمعنى الواسع و الفعلي على القطاع الحساس، كما أن العلاقة التعاقدية التي تربط بين المؤسسة و أولياء التلاميذ-المادة 19 من القانون 00-06 تفتقد إلى معيار الدقة والتحديد بالمفهوم القانوني الدقيق، وتنص المذكرة الوزارية على أن هذا القطاع يخضع لحرية الأسعار والمنافسة جعل من التعليم الخصوصي بشكل أو بآخر بضاعة خاضعة لقانون العرض والطلب ومنطق السوق. ناهيك على ان المادة 19 من نفس القانون لم تحدد سقفا موحدا لرسوم التسجيل والكتب المدرسية وكذلك رسوم التامين التي تعتبر مكلفة ومرتفعة
إلا أن هذه الإشكالات ازدادت حدتها مع إعلان حالة الطوارئ الصحية في المغرب تطبيقا لأحكام المرسوم بمثابة قانون رقم 292.20.2 والتي بدأت بتاريخ 20 مارس2020، وقبله الإعلان عن توقف الدراسة بتاريخ 16 مارس 2020 ولجوء مداس التعليم الخصوصي إلى” تقنية التدريس عن بعد عبر التطبيقات الرقمية”، مما مكن هذه المؤسسات من توفير مجموعة من المصاريف كالنقل المدرسي وحراسة التلاميذ ومصروفات المؤسسة ولجوء اعداد كبيرة من المدرسين والأطر العاملة والمستخدمين في هذا القطاع تقدموا بطلب تغطية صندوق الضمان الاجتماعي. وقد صرح الوزير محمد أمكراز: ” وقع لنا مشكل حقيقي بالنسبة للمدارس الخاصة”، موضحا أنها صرحت بأكثر من 48 ألف أجير باعتبارهم فقدوا شغلهم، رغم أنها استخلصت واجبات مارس من آباء وأولياء التلاميذ. فضلا أن مؤسسات التعليم الخاص تقدمت بطلب من أجل للاستفادة من صندوق مداخيل كورونا متذرعة بكون هذا القطاع- يعاني الهشاشة-
على ضوء ما سبق نجد أنفسنا أمام سؤال مدى قانونية مطالبة مؤسسات التعليم الخاص بأداء أولياء التلاميذ الواجبات المالية في هده الظرفية الصعبة والمنصوص عليها في هذه العقود امام عدم امكانية الوفاء بالتزاماتها التعاقدية المنصوص عليها كاملة في العقد، واقتصارها على التنفيذ الجزئي فقط – التدريس عن بعد- ؟ وفي غياب نص صريح يؤطر هده الحالة في القانون 00-06، فان الرجوع الى قانون الالتزامات والعقود باعتباره الاصل يظل ضروريا لمحاولة ايجاد جوابا على هذا السؤال
جانب اول يعرف الالتزام- بأنه رابطة قانونية بين شخصين على الأقل بمقتضى هذه الرابطة يلتزم الطرف المدين بأداء مبلغ من النقود للطرف الدائن أو بعمل شيء لصالح هذا الأخير أو بالامتناع عن عمل.- والمشرع المغربي نص في المادة 230 من هذا القانون على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين او مبدأ سلطان الإرادة – اذ ان الاتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون و الحال أن الأثر العادي أو الأصلي للالتزام هو تنفيذه، وهذا التنفيذ يقع على عاتق المدين – ولكن ما هو الحال إذا امتنع المدين عن تنفيذ العقد؟
لذا يجب التفريق بين والامتناع عن تنفيذه والمطل في تنفيذ الالتزام هذا الاخير ليس عنصرا في الاجابة على السؤال المطروح أعلاه، كما وجب التمييز بين عدم التنفيذ الكلي للالتزام وعدم التنفيذ الجـــــــزئي للالتزام هذا الأخير يشكل موضوع السؤال الأساس. ففي العقود الملزمة للجانبين –كما هو في نازلة الحال- فمن جانب اول يمكن الدفع بعدم التنفيذ الكلي للالتزام بحيث ينص الفصل 259 انه في العقود الملزمة للطرفين، يجوز لكل متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه، إلى أن يؤدي المتعاقد الاخر التزامه المقابل اما في حالة فعدم امكانية التنفيذ ا للالتزام كليا و الاقتصار على التنفيذ الجزئي فان نفس الفصل ينص على أنه :”……..إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه، جاز للدائن أن يطالب إما تنفيذ العقد بالنسبة للجزء الذي لا زال ممكنا أو فسخه مع التعويض في الحالتين”
- ومن جانب ثان فهناك انتفاء مكان تنفيد مكان العقد فالفصل 248 من ق ل ع ينص على انه يجب تنفيد الالتزام في المكان الدي تقتضيه طبيعة الشئ او يحدده الاتفاق فادا لم يحدد العقد مكانا للتنفيذ وجب ان يكون في مكان ابرام العقد وهنا مكان تنفيد العقد هو القسم المدرسي و المؤسسة التعليمية في الالتزام وهدا العنصر غير متوفر في هده الظروف الراهنة
اما فيما يتعلق بمصاريف الالتزام الفصل 250 من ق ل ع،- مصروفات الوفاء تقع على عاتق المدين-
كما المؤسسة المدرسية يقع عليها عبئ إثبات الوفاء بالالتزام حسب مقتضيات نفس القانون السالف الذكر
إذن فالمؤسسة التعليمية أصبحت أمام عدم إمكانية تنفيذ الالتزام إلا في جزء منه- مع استحضار معطى توفيرها مجموعة من النفقات، مما يخول للطرف الآخر في العلاقة التعاقدية الحق في المطالبة بتنفيذ العقد في الجزء الذي لا يزال ممكنا “التعليم عن بعد” أو الفسخ مع احتفاظه بالحق في التعويض في كلتا الحالتين، هذا الأخير” التعويض” الذي يمكن أن يأخذ صيغا قانونية متعددة. ومادام ان العقود التي تبرمها مؤسسات التعليم الخصوصي مع أولياء التلاميذ ليست نموذجية بالمعنى القانوني للمصطلح وتتسم بطابع الاختلاف من واحدة إلى أخرى فمن حق أي منهم المطالبة به شخصيا أو بواسطة دفاعه و بالنسبة لمن لا يتوفر على نسخة منها قصد تفسير بنودها لإثبات عدم قانونية المطالبة باداء الواجبات المالية كاملة.
أنه وتبعا – لمبدأ سلطان الإرادة المادة 230 من ق ل ع ـ وعلى ضوء إكراهات الظرفية الراهنة – فان مؤسسات التعليم الخصوصي قادرة علي إبرام اتفاقيات تعديلية للعقد الأصلي. بحيث أنها ما فتئت تؤكد على جودة تقنية ” التدريس بعد” عبر تطبيقات التواصل الالكتروني وعلى نجاعتها، مما يستتبعه منطقيا قدرتها على إبرام هذه الاتفاقات التعديلية للعقد الأصلي بنفس التقنية- التعاقد عن بعد – ، هذه التقنية متاحة و ممكنة لوجود الأساس القانوني “للتعاقد الالكتروني” في التشريع المغربي من خلال القانون في ا رقم 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ، هذا القانون الدي يؤطر للمقتضيات المؤطرة للإلتزامات والعقود خاصة على مستوى نظرية العقد وعلى مستوى وسائل الإثبات.
و يبقى ـ من وجهة نظرنا ـ أن تدخل المشرع بشكل مستعجل تدخل قصد إعادة التوازن لتحقيق العدالة التعاقدية وان تتحمل الدولة مسؤولية في الحفاظ وحماية حق مكفول دستوريا وحقوقيا من تعسف مؤسسات التعليم الخصوصي، ومن تمة فان التمسك بتنفيذ أداء الواجبات المالية كاملة مع جائحة كورونا غير دي اساس قانوني و من شأنه أن يلحق أضرارا بمصالح أولياء التلاميذ مما يبقى لهم الحق في اللجوء إلى القضاء لدرئ أي شكل من أشكال هدا التعسف، لاعتبار أن الحق في التقاضي حق مضمون قانونيا دستوريا، وأن كل متضرر له الحق في اللجوء إلى القضاء .
-ملحوظة:
دقت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة ناقوس الخطر وطالبت الحكومة المغربية بالوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالحد من اللامساواة في ولوج الأطفال إلى المدرسة، وذلك بعد أن دقت جمعيات مغربية ناقوس الخطر إثر إغلاق 181 مؤسسة تعليمية عمومية ما بين 2014 و 2015لما يشكله من ضرب لمبدأ العدالة الاجتماعية.
www.rhariblawfirm ma.