المغرب

طقوس مغربية عريقة للاحتفال بذكرى المولد النبوي

علاء البكري

يحتفل المغاربة قاطبة بذكرى المولد النبوي، خلال 12 ربيع الأول من كل سنة هجرية، والذي سيوافق هذه السنة اليوم الإثنين 16 شتنبر 2024.

احتفال ضارب في عمق التاريخ المغربي

وتعود جذور هذا الاحتفال إلى عصر الموحدين الذين عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح، فخصصوا ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام رسولنا محمد عليه السلام.

وسيرا على نهج أسلافه من أمراء المؤمنين العلويين ومن سبقهم من الموحدين والمرينيين والسعديين، دأب صاحب الجلالة الملك ،محمد السادس، نصره على الاحتفال بذكرى ليلة المولد النبوي الشريف.

عيد الميلود

يُطلق الشعب المغربي على هذه الذكرى الشريفة اسم “عيد الميلود”، وطالما ارتبط اسم العيد لديهم بأجواء التقديس الديني والاحتفال والبهجة والفرحة.

وإجلالا وتعظيما لذكرى مولد أفضل الخلق محمد عليه السلام، يلبس المغاربة في هذا اليوم أبهى الثياب، ويُقدّمون أشهى الطعام، ويصلون الرحم فيما بينهم، وتلهج ألسنتهم بالذكر والتسبيح والمديح.

وتتميز ليلة المولد (11 ربيع الأول) بحفلات دينية، تبدأ بتلاوة القرآن الكريم ثم إنشاد القصائد النبوية، وأشهرها “البردة” و”الهمزية” و”المنفرجة”، فضلا عن التذكير بالصفات النبوية.

وفي صباح 12 ربيع الأول، تنطلق الاحتفالات في عددٍ من المدن والقرى المغربية، وتسير مواكب الشموع بطقوسها وأهازيجها، أبرزها الموكب الذي يقام في مدينة سلا.

طقوس مغربية مختلفة

بدوره، يخصص الشعب المغربي من مختلف بقاع المملكة،  لهذه الذكرى التي تحظى بمكانة رمزية دينية خاصة، طقوسا وعادات احتفالية متنوعة ومتميزة، تختلف من مدينة إلى أخرى.

ولعل من بين أهم المدن المغربية ذات التميز والعراقة في الاحتفال بعيد المولد النبوي،  نجد مدينة مكناس، التي تحتضن ضريح أحد رجال الطرق الصوفية ويتعلق الأمر بالشيخ الهادي بن عيسى أو الشيخ الكامل شيخ الطريقة العيساوية والمتوفي سنة 1526م.

موكب “حلال العلامات”

وتزامنا مع حلول ذكرى المولد النبوي، دأبت الفرق العيساوية على إحياء موسم شيخها، حيث تتوافد الفرق العيساوية على مدينة مكناس من مختلف مدن المغرب ويقيمون في الضريح وعلى مقربة منه، وذلك أياما قبل حلول يوم الذكرى، وهو ما يطلق عليه باسم “حلال لعلامات”.

وتشارك كل قبيلة خلال هذا الاحتفال بعلمها الخاص بها، وفي يوم العيد ينطلق موكب الفرق العيساوية صوب الضريح على نغمات الطبول العيساوية والأمداح والزغاريد ويستمر هذا الحفل لمدة ثلاثة أيام.

“موكب الشموع”

أما مدينة سلا العريقة التي تتفرد بإحياء هذه الذكرى، فتقيم حفل “موكب الشموع”، الذي ذاع صيته في أرجاء المعمور، بعدما كان مقتصرا على فاس ومدينة مراكش حيث ظهر أول مرة إبان الحكم السعدي.

وخلال هذا الاحتفال ذو الرمزية الدينية، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على مدى سبعة أيام، تحتل الشموع مكانة خاصة، شموع مختلفة الأحجام والألوان والأشكال، قد يصل وزنها إلى حوالي 50 كيلوغرام.

وتصنع هذه الشموع وتسبك على هياكل من خشب فتأخذ أشكال قبب أو صوامع أو ما شابه وكل هذا مستوحى من العمارة الإسلامية، فتطرز وتزخرف هذه الهياكل بالشموع وتكتب عليها عبارات دينية من قبيل أسم “الله” و”بركة محمد” وغيرها.

وفي مدينة سلا حيث رُسخت هذه العادة، تُحمل هاته الشموع بعد صلاة عصر يوم 11 من ربيع الأول، انطلاقا من السوق الكبير قرب دار صانع الشموع في جو من الموسيقى والغناء وقرع للطبول تحييه فرق صوفية فولكلورية، فيمرون من أهم شوارع المدينة إلى غاية ساحة الشهداء ثم بعدها إلى دار الشرفاء.

وتقام بعد الطواف مأدبة عشاء يدعى لها جميع المشاركين بدار الشرفاء، ليلتحق الجميع بزاوية مولاي عبد الله بن حسون، لمتابعة “رقصة الشمعة” على نغمات الموسيقى الأندلسية والأناشيد الدينية.

هذا، وتعكس هذه الاحتفالات بعيد المولد النبوي، الحب الكبير والتقدير الفائق الذي يوليه المغاربة لشخصية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، كما تعد فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية والدينية، وتذكير الناس بالقيم الإسلامية السمحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى